القائمة الرئيسية

الصفحات

التنصـير: مفهومه وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته

التنصـير: مفهومه وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته قال تعالى: { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [البقرة: 120] قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المائــــــدة: 8] قال تعالى: { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109] قائمة بالمحتويات الموضــــــوع الصفحة مقدمة الطبعة الثالثة 13 المــدخـــل 15 الفصل الأول: مفهوم التنصير 25 المعنى اللغوي 27 النساطـــــرة 28 بولس المنصِّر 30 اليعاقبة 32 المسلمون والنصارى 33 الحروب الصليبية 36 حقبة الاحتلال 40 التنصير بين المسلمين 42 حماية النصارى 46 التعميد 47 التنصير المحلي 48 التبشير 48 الفصل الثاني: أهداف المنصرين 51 تمهيد 53 أهم أهداف المنصرين 53 الأهداف الفرعية 59 المهتدون إلى الإسلام 61 الفصل الثالث: وسائل المنصرين 63 تمهيد 65 الجمعيات 68 مؤهلات المنصرين 72 التنصير المختـفــي 73 1 ـ البعثات الدبلوماسية 73 2 ـ المستكشفون 74 3 ـ التطبيب 76 4 ـ التدريب المهني 78 5 ـ التعليم العالي 78 6 ـ الإغاثة 81 7 ـ المــرأة 82 8 ـ العـمَّـال 86 9 ـ البعثات الدراسية 88 10 ـ الاستشراق 91 11 ـ اليهود 92 12 ـ المنظمات الدولية 95 13 ـ الترجمة 96 14 ـ التبادل الثقافي 98 15 ـ التجارة والاقتصاد 99 16 ـ الإعلام والاتصالات 101 17 ـ المنح الدراسية 103 18 ـ التنمية 104 19 ـ التقويم المستمر 105 الفصل الرابع: وسائل التنصير المساندة 107 تمهيد 109 1 ـ الاحتلال 109 2 ـ السياسة 112 3 ـ المواطنون 113 4 ـ الفقــــر 114 5 ـ الأمراض 114 6 ـ ضعف الوعي 115 7 ـ الاستعداد الذاتي 116 8 ـ الضمانات المالية 117 9 ـ الحقد الكميــــن 118 10 ـ التسيب في التعليم 119 11 ـ تجهيز المنصرين 119 12 ـ تساهل المسلمين 120 13 ـ تأليف الأذهــان 123 الفصل الخامس: سُبُل مواجهة التنصير 127 تمهيد 129 1 ـ الدعوة إلى الله 131 2 ـ السياسة 132 3 ـ هيئات الإغاثة 133 4 ـ علماء الأمة 133 5 ـ التجارة والاقتصاد 135 6 ـ شباب الأمة 137 7 ـ المؤسسات العلمية 138 8 ـ رابطة العالم الإسلامي 140 9 ـ الندوة العالمية 140 10 ـ منظمة المؤتمر الإسلامي 141 11 ـ الجمعيات الإسلامية 142 12 ـ الجماعات الإسلامية 142 13 ـ العلم بالأديان 143 14 ـ الحوار 143 الخاتمة: النتيجة والتوصيات 147 تمهيد 149 أولاً: التوعية 151 ثانيًا: هيئة إسلامية 152 ثالثًا: الدورية 152 رابعًا: البحوث 152 خامسًا: الدعاة 152 سادسًا: الإغاثة 153 سابعًا: السياسة 153 ثامنًا: المنح 153 تاسعًا: المسلمون 154 عاشرًا: التمـيُّـز 154 حادي عشر: العلم 155 ثاني عشر: المبادرات 155 قائمة وراقية بالمراجع الأساس 157 ** *** ** مقدمـــة الطبعة الثالثة الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد: فهذه هي الطبعة الثالثة من كتاب التنصير: مفهومه وأهدافه ووسائله وسُبل مواجهته، وكانت الطبعة الأولى قد صدرت عن دار الصحوة بالقاهرة سنة 1413هـ ــ 1993م ، ثم صدرت الطبعــة الثـانيــة عـن مكـتـبـة الـتــوبــة ســنــة 1419هـ ــ 1998م. وتمثل هذه الطبعة القسم الأول من كتاب التنصير في المراجع العربية: دارسة ورصد وراقي للمطبوع الذي تفضلت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض بنشره هذا العام 1424هـ 2003م، طبعة ثانيةً عن تلك التي صدرت سنة 1415هـ ـ 1994م باسم التنصير في الأدبيات العربية، فاستأذنت المسؤولين الأفاضل في الجامعة بنشر القسم الأول، وهو الدراسة، مستقلاً، رغبة في تعميم الفائدة من هذا القسم الذي يعني كل قارئ وقارئة, بالمقارنة بالقسم الثاني (الرصد الوراقي) الذي يهتم به المعنيون بمتابعة ظاهرة التنصير بالدراسة والبحث. وأشكر المسؤولين الأفاضل بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض على تفضلهم بالإذن بنشر هذا القسم مستلاً من الكتاب بقسميه, وإدراكهم لما يُمكن أن يُسهم به هذا الجهد من إيضاح لما يواجه الأمة الإسلامية من تحديات, يُعدُّ التنصير من أبرزها في الوقت الحاضر. وفي هذه الطبعة زدت إضافات وتعديلات على تلك التي وردت في القسم الأول من الكتاب التنصير في المراجع العربية, أملتها المراجعة المستمرة والتطورات التي تترى على ظاهرة التنصير، مع أن القسم الأول من الكتاب المذكور قد طرأ عليه تعديل بالمقارنة بالطبعتين الأولى والثانية. وإذ أضع هذا العمل بين يدي القارئ والقارئة الكريمين, أرجو أن أكون قد وفقت في مناقشة التنصير, من حيث كونه تيارًا من التيارات التي تُواجه الأمة. وقد ورد في هذه الطبعة أسماء أشخاص وجهات رسمية وإقليمية أملتها الضرورة الموضوعية والرغبة في الوضوح والشفافية، فلعلها تؤخذ من هذا المنطلق. ويطيب لي أن أتقدم بجزيل الشكر والامتنان لزميليَّ وأخويَّ الأستاذ الدكتور/ إبراهيم بن محمد الحمد المزيني ــ أستاذ الحضارة بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية ــ والأستاذ/ محمد بن عبدالعزيز بـن عبدالرحـمـن الـهـزاع ــ المستشار بمكتب وزير العمل والشؤون الاجتماعية بالرياض ــ على وقفتهما معي وإسهامهما في متابعة إصدار هذا الكتاب، فلولا فضل الله ثم جهودهما ما كان لهذا الكتاب أن يصدر بهذه الصورة التي صدر بها. .وأسال الله تعالى أن يجعل هذا العمل نافعًا وخالصاً لوجهه الكريم. كما آمل أن يكون مثيراً لمزيد من البحث في هذا الموضوع القديم المتجدد. وكان الله في عون الجميع. عـلـي بـن إبـراهـيـم الحمد الـنـمـلـة الرياض ــ صفر 1424هـ ــ أبريل 2003م المدخــــل التنصير في مفهومه العام ظاهرة بدأت مع ظهور رسالة عيسى بن مريم ـ عليهما الصلاة والسلام ـ.. وقد حصل لهذا المفهوم تطورات بحسب ما حصل للنصرانية الأولى من تحريف بدأ على يد شاؤول أو بولس في القرن الأول الميلادي. وأدخلت عليها ثقافات يونانية [إغريقية] وهندية وفارسيـة، فأصبحت النصرانية خليطًا من الوحي الإلهي الـذي أنزله الله - تعالى - على نبيه ورسولـه عيسى بن مريم ـ عليهما السلام ـ وأفكار البشر الذين سبقوا في وجودهم ظهور النصرانية. والمجتمع المسلم لم يسلم من ظاهرة التنصير، بل ربما أضحى هذا المجتمع أكثر المجتمعات تعرُّضًا لها، نظرًا للمقاومة التي يلقاها المنصرون من المسلمين أفرادًا قبل المؤسسات والجماعات. ذلك أن المسلم يتربى على الفطرة وعلى التوحيد، ويصعب حينئذٍ أن يتقبَّل أي أفكار فيها تعارض مع الفطرة، أو فيها خلل في الجوانب العقدية، وفي مخاطبة العقل، مادام المسلم يملك البديل الواضح. ومع هذا تستمر حملات التنصير الموجهة للمجتمعات الإسلامية والأقليات والجاليات المسلمة، آخذة وسائل عديدة ومفهومات متجدِّدة، تختلف عن المفهوم الأساس المتمثل في محاولة إدخال غير النصارى في النصرانية. والتنصير ظاهرة متجدِّدة ومتطوِّرة في آن واحد. وتطورها يأتي في تعديل الأهداف، وفي توسيع الوسائل ومراجعتها بين حين وآخر، تبعًا لتعديل الأهداف، ومن ذلك اتخاذ الأساليب العصرية الحديثة في تحقيق الأهداف المعدلة، حسب البيئات والانتماءات التي يتوجَّه إليها التنصير، حتى وصلت هذه الظاهرة، عند بعض المتابعين للظاهرة، إلى أنها أضحت علمًا لـه مؤسساته التعليمية ومناهجه ودراساته ونظرياته. وقد تنبَّه المسلمون إلى هذه الحملات منذ القدم، ووقف لها العلماء والخلفاء والأمراء والولاة والمفكرون وعامة الناس، بحسب قدراتهم العلمية والسلطانية، فقامت ردود علمية على النصرانية المحرَّفة. وقامت كذلك تنبيهات ورصد للأنشطة التنصيرية في المجتمع المسلم بخاصة، وفي العالم بعامة. ومن أجل ذلك ظهرت أعداد كثيرة من الرسائل والدراسات والمقالات والأبحاث تصدر في الكتب والدوريات العلمية والمجلات والصحف السيارة، كما تصدر في الشريط، هذا الوعاء الذي أخذ طابع القبول في الآونة الأخيرة مع بروز ظاهرة العودة إلى الإسلام "الصحوة". وانتثرت المعلومات في هذا الإنتاج العلمي والفكري المتنوع، من حيث أوعية المعلومات من كتب وغيرها، ومن حيث التغطية. وبدأ الإقبال على التعرُّف على الحملات التنصيرية واضحًا، مع تنامي الوعي والشعور بوجود تيارات تتحدى الإسلام والمسلمين، وتعمل على منافسته في أذهان الناس وممارساتهم. وبسبب تناثر المعلومات حول التنصير وتشتُّتِها واختلاف البيانات الإحصائية وتغيُّرِها مع الزمن، ومن خلال التجربة الذاتية التي مرت بالمؤلف مع الحملات التنصيرية بالتعرُّض المحدود لها، والاطلاع على أوجه نشاطها، وحيث إن هذه الحملات متجدِّدة، وهي بحق تهدِّد المجتمع المسلم، وجدت أنه من المفيد الوقوف مع الفكرة التنصيرية، من حيث مفهومُها، وأهدافُها، ووسائلُها المباشرة والمساندة، وسبلُ مواجهتها، فجاءت هذه الوقفة التي بين يدي القارئ. وهي لا تعدو كونها عرضًا عامًا لما كتب عن هذه الظاهرة باللغة العربية، ومحاولة الخروج بوقفة علمية موضوعية تختصر المسافة على القارئ بوضعها في مرجع واحد. ولا أدعي السبق في هذا، ولا إيراد معلومات جديدة، عدا محاولاتي التدخُّل بوقفات متناثرة في سياق هذا العرض. فإن يكن لهذه الوقفات فضل فإنه سينحصر في تقصير المسافة على المستفيد (القارئ) بالوصول السريع إلى المعلومات عن التنصير، من حيث كونُه ظاهرة قائمة لها آثارها على المجتمع المسلم. ولعل هذه الوقفة تفتح الآفاق لمزيد من التوسُّع لمن أراد ذلك. وفي سبيل إتاحة المجال للتوسُّع والإسهام في هذا المجال عمدت إلى رصد ما كتب عن التنصير في الأدبيات "المراجع العربية"، وبخاصة ما جاء في الكتب والدوريـات والمجـلات الثقـافية. وجعلت هذه الوقفة التي بين يدي القارئ مقدمة للرصد الوراقي "الببليوجرافي". فإن ظهرت الوقفة مستقلة عن الرصد فإنما قصد بذلك، أيضًا، اختصار المسافة على المستفيد (القارئ)، فإن أراد الاستزادة رجع إلى الرصد ليدلـه على مبتغاه، من خلال تقسيم مواد الرصد إلى مجموعة من رؤوس الموضوعات، رأيت أنها هي أهم ما تحدثت عنه هذه المواد، مع عدم إغفال التداخل بينها. وقد تعمدت في هذه الوقفة الابتعاد عن البيانات والإحصائيات لأنني وجدتها - في الغالب - غير دقيقة. وعدم دقَّتها يرجع إلى أنها تُستَقى عادة من مراجع أجنبية، يكون تركيزها طائفيًا أحيانًا، أو مؤسسيًا أحيانًا أخرى، أو إقليميًا من ناحية ثالثة، فتقتصر إحصائياتها على إنجازات الطائفة [كاثوليكية أو بروتستانتية أو أرثودوكسية]، أو تقتصر على إنجاز إرسالية أو مجموعة من الإرساليات تربطها رابطة تنظيمية، أو إقليمية، لكنها لا تغطي جميع الجهود. وأقرب مثال على هذه المقولـة أن ميزانية التنصير في العـالم كانت عام 1411هـ- 1990م حوالي مئـة وأربعـة وستـين مليـار دولار أمريكي [164.000.000.000] سنويًا، وقد أفـادني بهذا الدكتـور عبدالرحمن السميط، أحد العاملـين في الساحة الأفريقية، ونشر هذا الرقم في مجلـة الدعوة السعودية. ثم وجـدت أن الميزانية قد قفزت عام 1413هـ-1992م إلـى مئــة وواحـد وثمانـين مليـــار دولار أمريــكي [181.000.000.000]. وقد أفـاد بهذا الشيخ سلمان بن فهد العودة في أحد الدروس العامـة التي تحدث فيها عن التنصير. والفـارق الزمني بين الرقمـين هو سنتـان، أما الفـارق الرقمـي بينهمـا فهـو سبعـة عشر مليـار دولار [17.000.000.000]، وهو الزيادة في غضون سنتين فقط. ومثل هذا التفاوت في الأرقام ينطبق على أعداد المنصرين والمنصرات، والمتنصرين والمتنصرات، والمعاهد التنصيرية، والجمعيات القديمة والحديثة، واللقاءات والمؤتمرات وغيرها من وسائل "تنصيرية". وفي نشرة وزَّعتها الندوة العالمية للشبـاب الإسـلامي جاء فيها أن عدد النصارى في العالم يبلـغ مليـارًا وسبـع مئـة وواحدًا وعشريـن مليـون (1.721.000.000) نسمة، وبلغ عدد المنظمات التنصيرية في العالم أربعة وعشرين ألفًا وخمس مئة وثمانين (24.580) منظمة، وعدد المنظمات العاملة في مـجالات الخدمة يزيـد عن عشرين ألفًا وسبـع مئة (20.700) منظمة، ويبلغ عدد المنظمات التي تبعث منصرين متخصصين في مجـالات التنصير والإغاثة ثلاثـة آلاف وثـماني مئة وثمانين (3.880) منظمة، ويزيد عدد المعاهد التنصيرية على ثمانية وتسعين ألفًا وسبع مئة وعشرين (98.720) معهدًا تنصيريًا، ويبلغ عدد المنصرين المتفرغين للعمل خارج إطار المجتمع النصراني أكثر من مئتين وثلاثة وسبعين ألفًا وسبع مئة وسبعين (273.770) منصرًا، والذي يظهر لي أن هذا الرقم الأخير متواضع جدًا، ويزيد عدد الكتب المؤلفة لأغراض التنصير عن اثنين وعشرين ألفًا ومئة (22.100) كتاب في لغات ولهجات متعددة، وبلغ عـدد النشرات والمجـلات الدورية المنتظمة ألفـين ومئتـين وسبعين (2.270) نشرة ومجلة، توزَّع منها ملايين النسخ بلغات مختلفة، ويزيد عدد محطات الإذاعات التنصيرية على ألف وتسـع مئة (1.900) إذاعة، تبث إلى أكثر من مئة (100) دولـة وبلغاتـها. وذكرت النشرة أن مجموع التبرعـات التي حصل عليهـا المنصرون لعـام واحد حوالي مئـة وواحد وخمسين مليار (151.000.000.000) دولار أمريكي، وهذا الرقم يقلُّ عن الرقم المأخوذ من المحاضرة المذكورة أعلاه بثلاثين مليار (30.000.000.000) دولار، ويقلُّ عن الرقم الـذي أفاد بـه الدكتور عبدالرحمن السميط بثلاثة عشر مليار (13.000.000.000) دولار. ولعل من آخر الإحصائيات المنشورة باللغة العربية ما جاء في كتاب الدكتور/ عبدالرحمن بن حمود السميط لمحات عن التنصير في أفريقيا المطبوع في حدود سنة 1420هـ/2000م، حيث يذكر فيه إحصائيات منقولة عن النشرة الدولية لبحوث التنصير. فبعد ذكر البيانات العامة حول السكان وأديانهم وطوائفهم يذكر أن عــدد المنصِّريــــن الأجانب سـنة 1419/1420هـ المـوافق 1999م بـلــــــــــــغ ( 415.000 ) منصِّر، وبلغ عدد المنصِّرين المحليين ( 4.910.000 ) منصِّر، وهذا يعني أن مجمل عدد المنصِّريــن فــاق الخمسة ملايين وثلــث مــليــون ( 5.320.000 ) منصِّر، وبلغ مجموع التبرعات لأعمال التنصير لسنة واحدة ( 1.489.000.000 ) مليار وأربع مئـة وتسعـة وثمانين مليـون دولار. وبلغـت عنوانـات الكتـب التنصيريـة (24.800) أربعة وعشرين ألفًا وثمـان مئة عنـوان، وعـدد المجلات بلغ ( 33.700 ) ثلاثـة وثلاثين ألفـًا وسبع مئـة مجلـة، وطبع من الأناجيل ( 2.149.341.000) ملياران ومئة وتسعة وأربعون مليونًا وثلاث مئة وواحد وأربعون ألف نسخـة. ووصـل عدد محطات الإذاعـة والتلفزيـون (3.770) ثلاثة آلاف وسبع مئة وسبعين محطة، وبلغ عدد خطط التنصير في العـــالم ( 1340 ) ألفًا وثلاث مئة وأربعين خطة. وفي الكتاب نفسه بيانات عن هذه الأعداد وغيرها عام 1390هـ/1970م وهذه البيانات أعــــــلاه 1420هـ/1999م، وما يتوقع أن تصل إليه الأعداد والأرقام لـسـنـة 1445هـ/2025م, كما يبين المؤلف إحصائيات لعام 1417- 1418هـ/ 1997م حول دخل الكنيسة، وعدد أجهزة الحاسب الآلي، وعنوانات الكتب، والأناجيل التي تم طبعها، ومحطات الإذاعة والتلفزيون، وأعداد المستمعين والمشاهدين، حيث بلغ (1.896.176.000) مليارًا وثماني مئة وستة وتسعين مليونًا ومئة وستة وسبعين ألف مستمع ومشاهد. وبلغ عدد الجمعيات التنصيرية (23.400) ثلاثة وعشرين ألفًا وأربع مئة جمعية، وبلغ عدد الجمعيات التي ترسل منصِّرين للخارج (4.600 ) أربعة آلاف وست مئة جمعية. مما يجدر معه العودة إلى هذه البيانات، والوصول إليها عن طريق موقع النشرة الدولية لبحوث التنصير في الإنترنت. ولا غرابة في هذا التباين في الأرقام، فذلك راجعٌ إلى نوعية المصادر التي يستأنس بها موردو هذه الإحصائيات. وعلى أي حال فالأرقام والإحصاءات عالية ومتغيرة بسرعة عجيبة، نظرًا لتطوُّر ظاهرة التنصير وأساليبه في نشر التنصير بين الناس بعامة، ولهذا آثرت تجنُّب ذكر الإحصائيات في هذه الوقفات. ومن منهجي أيضًا في هذه المناقشات للتنصير الإصرار على مصطلحي النصرانية والتنصير في مقابل المسيحية والتبشير، إلا ما اضطررت إليه مما يأتي ضمن نصٍّ منقول اقتباسًا، فلا أملك ـ علميًا ـ التصرُّف في الكلمات الواردة فيه. ولم أشأ التدخُّل في النص بوضع البديل المختار بين معقوفتين، مع إمكان ذلك، لأني لم أر داعيًا لذلك، ويكفي هنا تبيان المنهج، وأني إنما أنقل نصًا. ولا يعني نقلي لـه إقراري للمؤلفين باستخدام المصطلحات الواردة فيه. وينبغي - في رأيي المستمد من المنهج الذي سرت عليه في هذه المناقشات - أن تعالج ظاهرة التنصير معالجة موضوعية، بعيدة عن الإفراط في الحساسية تجاه النصارى بعامة. فليس بالضرورة أن جميع النصارى منصرون، بل ليس بالضرورة أن جميع النصارى مقتنعون بنصرانيتهم، ويطبقون تعاليمها في حياتهم الخاصة، وإذا كانوا يطبقون تعاليمها في حياتهم الخاصة، فليسوا بالضرورة متعاطفين مع مفهوم التنصير. وهكذا نجد أن هناك احتمالاتٍ كثيرةً تمنعنا من إطلاق الأحكام معممة على الجميع. والموضوعية تقتضي أيضًا أن ندرك أن هناك نصارى في المجتمعات المسلمة، وغير المسلمة، لم يأتوا بثياب المنصرين. وينبغي ألا نأخذ الناس بالظنة، لأننا في مواقفنا لا نعبر عن وجهات نظر شخصية، بل نعبر عن منهج ندعو الناس إليه. وأحيل هنا إلى خبر وفد نجران إلى الرسول -  - وما فعلوه بالمسجد النبوي، وموقف الرسول - عليه الصلاة السلام - من هذا التصرف. كما أحيل إلى ما فعله أمير المؤمنين خليفة خليفة رسول الله - - عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه- في بيت المقـدس، كما أحيـل إلى موقفه -رضي الله عنه- من المحاسب النصراني عند أحد الولاة، وذلك لتكتمل الصورة في مسألة النظر إلى الآخرين. على أن النظر إلى الآخرين، من غير المسلمين في المجتمع المسلم، تحكمه أحكام الشرع الحنيف، كما هي الحال مع جميع الأحكام الشرعية التي تحكم علاقة العبد مع الله تعالى مباشرة، ومع الخلق عامةً. ولم يُترك المجال لسيطرة الشعور الذاتي الذي يخضع لمؤثرات الزمان والمكان الآنيين. وربما أكون قد قصَّرت في عدم الرجوع إلى الإسهامات الأجنبية مع القدرة على ذلك، من حيث الإمكانية اللغوية - ولله الحمد - فاقتصرت، مع هذا، على ما كتب بالعربية. عدا العرض السريع لبعض ما كتب عن الوسائل، والنظرة إلى المستقبل والمكان. ولا أجد مبرِّرًا لذلك سوى عدم توافر المصادر والمراجع الأجنبية عند إعداد هذه الوقفة. ولعل مدى قبولها والإفادة منها يوجب، في طبعة تالية، طرق هذه الوسيلة والإفادة منها في الحصول على المعلومات التي قد ينظر إليها على أنها حديثة، إذ إنها تنهل من المنبع. وقد كانت نواة هذه الوقفة مجموعة من المحاضرات حول التنصير ألقيت في بعض مساجد مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية، وألقيت كذلك في فرع جمعية الإصلاح الاجتماعي في الفجيرة من الإمارات العربية المتحدة، وفي الجامعة الإسلامية على مشارف نيامي عاصمة النايجر، وفي المركز الإسلامي الأفريقي بالخرطوم عاصمة السودان. وقد لقيتُ خلال هذه المحاضرات دعوات من بعض الحضور لنشر مضمون هذه المحاضرات التي تعددت من حيث إلقاؤها، وتكررت من حيث الموضوع نفسُه. والذي آمله أن تؤدي هذه الوقفة ما أريد منها، وأن يكون فيها نفع لمن أراد الإفادة. ولعلها تفتح آفاقًا جديدة في أذهان المستفيدين من "القرَّاء" حول ما تعانيه الأمة من تحديات خارجية تأتي في مقدِّمتها -في نظري- حملات التنصير المستمرة، رغم ما يواجه الأمة من توجهات أعطيت أسماء جديدة مثل العلمانية، ثم العولمة، إلا أني أزعم أن هذه التوجهات لم تغفل مفهوم التنصير الأعم من مجرد إدخال غير النصارى في النصرانية، مهما ظهر لنا أنها توجهات تهمش الدين وتسِّوق فصل الدين عن الدولة، ولذا أجد أن هذه الوقفات مهمة في التركيز على حملات التنصير. ومع هذا فهي وقفات تظل، على أي حال، جهد المقل، كما تظل من كلام البشر غير المعصومين الذي يؤخذ منه ويرد. وأرجو أن أكون قد وُفِّقْتُ في طرح مفهوم التنصير وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته بالصورة الموضوعية التي سعيت إليها, ومن الله أستمد العون والتوفيق.   الفصـل الأول مــفهــوم التنصـــير المعنى اللغـوي: التنصير في مفهومه اللفظي اللغوي هو الدعوة إلى اعتناق النصرانية، أو إدخال غير النصارى في النصرانية. وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - -: ( ما من مولود يولد إلا على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجِّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسُّون فيها من جدعاء؟). والفطرة هنا هي الإسلام.(1) وفي لسان العرب: "والتنصُّر: الدخول في النصرانية، وفي المحكم: الدخول في النَّصْرِي. ونصَّره: جعله نصرانيًا...". (2) وأورد الحديث الشريف. وقريب منه قول الفيروزآبادي في القاموس المحيط: (...والنصرانية والنصرانة واحدة النصارى، والنصرانية أيضًا دينهم، ويقال نصراني وأنصار. وتنصَّر دخل في دينهم، ونصَّره جعله نصرانيًا...).(3) وذكر مثل ذلك "الزبيدي" في تاج العروس.(4) النساطــرة: وقد حصل للمفهوم اللفظي شيء من التطوير مع تطوُّر النظرة إلى التنصير منذ بعثة عيسى بن مريم - عليهما السلام -، فلم يكن هذا المفهوم حديث الإطلاق، وليس هو ظاهرة جديدة، بل لقد بدأ التنصير مع ظهور النصرانية، حيث كان مطلبًا جاء به الإنجيل لنشر الدين النصراني - وليس الدين المسيحي كما يسميه المتأخرون-.(1) وقد هاجرت طائفة من النصارى يقال لها "النساطرة"(2) نسبــة إلى "نســـطور"(3) من "الرها"،(4) بعد أن أغلقت مدرستهم فيها، "مدرسة الرها"،على يد زينون(1) سنة 439م، فهاجرت الطائفة تحت قيادة "بارسوما"(2) سنة 457م إلى "فارس"، وأنشأت فيها مدرسة "نصيبين"،(3) وانتشرت من هذه المدرسة حملات التنصير على الطريقة النسطورية إلى جوف آسيا وبلاد العرب. وقد استعانت هذه الحملات التنصيرية بالفلسفة اليونانية [الإغريقية] لنشر التعاليم الخاصة حول طبيعة المسيح عيسى بن مريم -عليهما السلام-.(4) ثم توالت الاستعانات بالثقافات الأخرى كالفارسية والهندية وغيرها، مما أعطى هذه الديانة بعدًا وثنيًا، سعى إلى الخروج بها عن أصولها التي جاء بها عيسى بن مريم - عليهما السلام - حتى قيل: إن أركان " المسيحية الجديدة وعقائدها وصلواتها وشعائرها تأثرت أو تحدرت من الديانة الوثنية التي كانت سائدة قبل ظهور المسيح - عليه السلام -، أو في أيامه. وقد نقلها المؤمنون الجدد من ديانتهم الوثنية، فأقرَّتهم عليها الكنيسة، ثم تبنتها وجعلتها رموزًا تأويلية ملفَّقة ترضيهم وتلبِّس على غيرهم".(1) بولس المنصِّـر: وقبل هذا سعى شاؤول أو بولس،(2) وقد كان يهوديًّا يضطهد النصارى فتنصَّر، إلى نشر النصرانية على طريقته، بعد أن زعم أن المسيح عيسى بن مريم -عليهما السلام - قد جاءه في المنام وهو في طريقه إلى دمشق الشام، وطلب منه ترك اضطهاد النصارى، والسير في ركب الدعوة إلى النصرانية (التنصير)، وقد كان قبل هذه الرؤيا، التي يُذكر أنها مصطنعة،(3) من أشدِّ الناس نكاية بالنصارى، لاسيما نصارى بيت المقدس، حيث كان نفوذه فيها واسعًا. وبهذا المفهوم يعدُّ بولس المنصِّر الأول، وواضع أسس التنصير العالمي.(1) يقول محمد أمير يكن: "لايعتبر بولس المبشر المسيحي الأول فقط بل يعتبر واضع أسس التبشير المسيحي العالمي. ولا يزال المبشرون في أيامنا هذه يستقون خططهم وترتيباتهم من معلمهم الأول بولس. فهو بحق مؤسس علم التبشير، وقد نجح في هذا المضمار أيَّما نجاح".(1) ولا بد من التنبيه إلى أن هذه النظرة لبولس من قبلنا نحن المسلمين تختلف عن نظرة بعض النصارى له، إذ يعدّونه المنقذ، ويسمونه "بولس المخلّص"، ولابد من التنبيه كذلك إلى أن هناك من يعتقد أن عيسى بن مريم -عليهما الصلاة والسلام- هو الذي يُعدُّ المنصِّر الأول، على اعتبار أنه بعث مبشرًا بالنصرانية بالمفهوم الذي أرسله الله به حول النصرانية، لابالمفهوم الذي تحولت إليه النصرانية بفعل تدخل اليهود في هذا التحول. اليعاقبة: ثم تعاقبت حملات التنصير وتزعمها في الجهة الغربية من فلسطين اليـــــعاقبـة(2) الذين اختلفـوا مع النساطـــرة حول طبيعــــة المسيح عيسى بن مريم - عليهما السلام - بين الناسوتية واللاهوتية.(3) المسلمون والنصارى: ولعل أول علاقة بين المسلمين والنصارى، أو الإسلام والنصرانية، كانت على عهد الرسول محمد-  - حينما أرسل وفدًا من المهاجرين إلى ملك صالح في الحبشة يقال لـه النجاشي،(1) وما حصل من سبق قريش ومحاولتهم إثناء الملك عن إيواء المسلمين، وقد صاحب هذه المحاولة نقاش وحجاج حول طبيعة المسيح عيسى بن مريم -عليهما السلام - ونظرة الإسلام له. (2) ثم أرسل الرسول محمد بن عبدالله- - وفودًا إلى الأباطرة في شمال الجزيرة العربية وشمالها الغربي مثل هرقل الروم ومقوقس مصر وغيرهما. وكان هناك أيضًا حوار ونقاش حول نظرة الإسلام والمسلمين للنصرانية، ونبيها عيسى ابن مريم - عليهما السلام-.(3) وقد قدم على الرسول محمد - - في المدينة النبوية وفْدٌ من "نجران" بين أربعة عشر وستين فردًا - حسب الروايات -، ومنهم "العاقب" و"أبوالحارث" و"السيِّد، فدار بين النبي محمد - - وبينهم حوار وحجاج حول طبيعة المسيح عيسى بن مريم - عليهما السلام-. ثم عاد الوفد إلى نجران، وكان بينهم حوار طويل حول مادار بينهم وبين الرسول محمد - - رجع بعده بعض أعضاء الوفد كالعاقب والسيِّد إلى المدينة النبوية، ونطقا بالشهادتين، ونزلا في بيت أبي أيُّوب الأنصاري- رضي الله عنه-(1) قرب المسجد النبوي بالمدينة المنورة.(2) وعصر الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- كان حافلاً بالعلاقات مع النصارى، نتيجة لامتداد الفتح الإسلامي في الشام ومصر وما وراءهما. وكان يتخلل هذه الفتوح وقفات علمية تكون فيها مناقشات وحوارات حول موقف الإسلام من النصرانية والنصارى. وأبرز مثال على هذه الوقفات وقفة الخليفة "عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - في "بيت المقدس"، وموقفه من كنيسة القيامة وتجنبه الصلاة فيها،(1) وكذلك لقاء عمرو بن العاص- رضي الله عنه- بالبطريرك بنيامين رئيس الكنيسة القبطية آنذاك. (2) وكذا الحال في العصر الأُموي مع الزيادة المطَّردة في العلاقة من خلال الاستعانة بالنصارى في بعض مقوِّمات بناء المجتمع المسلم الناهض، لاسيما فيما يتعلق بالعلوم التطبيقية والبحتة، والإدارة.(3) وتصبح العلاقة أكثر وضوحًا في العصر العبَّاسي الذي شهد ازدهارًا علميًا وثقافيا وحضاريًا، استعان المسلمون في أجزاء منه بالنصارى وغيرهم من أصحاب الثقافات الأُخرى، ولا سيما الفرس واليونان [الإغريق] في مجالس العلم، وبيوت الترجمة، وخزائن الكتب، ودواوين الولاة، وفي المؤسسات العلمية والتعليمية الأخرى.(1) ولم يسلم المغول أنفسهم من حركة التنصير هذه، إذ أريد من تنصيرهم كسب أمة وثنية إلى النصرانية من ناحية، ومن ناحية أخرى التأثير على المسلمين بتفادي خطرهم على الحملات التنصيرية، فيما إذا انضم المغول إلى المسلمين. وقد انضم المغول إلى المسلمين بعد أن هداهم الله إلى الإسلام، وعاونوا قادة المسلمين في تصديهم للحملات التنصيرية.(2) الحروب الصليبية: وتشكَّل الصراع بين المسلمين والنصارى بوضوح أكثر إبَّان الحروب الصليبية،(3) التي لا تعدو كونها شكلاً من أشكال التنصير، اتُّبعت فيه القوة والغزو العسكري. وكان يدور خلال الحملات الصليبية الثماني نقاش وحوار بين المسلمين والنصارى من علماء الدين الإسلامي ورجال الدين النصراني، كانت من نتائجه ظهور مجموعة من المـؤلَّـفات تناقش حقيقة النصرانية وترد على النصارى في زعمهم حول طبيعة المسيح عيسى بن مريم - عليهما السلام -، وأسباب عدم إيمانهم بمحمد --، رغم ذكر بعثته في الإنجيل.(1) وكما أن الحروب الصليبية لم تفلح عسكريًا فهي لم تفلح عقديًا في تشكيك المسلمين برسالتهم، بل زادتهم تمسُّكًا بدينهم أدَّى في النهاية، إلى خروج الصليبيين من أراضي المسلمين دون الفوز بما قدموا من أجله. (1) ومع هذا فلا يغفل تأثير الحملات الصليبية على المجتمع المسلم، فقد زاد عدد الكنائس، وبالتالي زاد عدد المنصرين. ويذكر "محمد مؤنس عوض" من خلال عرضه للرحالة المسلمين، لاسيما عند وقوفه مع الرحالة المسلم "ابن جبير أن هذا الرحالة قد أدرك البعد التنصيري للحملات الصليبية، إذ أدرك الدور الصليبي الخطر في تغيير هوية المنطقة وتحويلها عن الإسلام، من خلال البعد التنصيري، فيذكر أنه بعد خضوع "عكا" لسيطرة الصليبيين فقد تحولت مساجدها "وصارت كنائس، وصوامعها صارت محل أحد النواقيس، وفي مثل ذلك التعبير نجده يكشف بجلاء عن دور الصليبيين في تغيير هوية المنطقة الإسلامية ومحاولة تنصيرها من خلال القضاء على الدور الهام لأماكن العبادة الإسلامية في صورة المساجد، بل وصل الأمر أن صارت هناك بقعة صغيرة في مسجد عكا الجامع يجتمع فيه الغرباء من أجل إقامة الصلاة. ويمكن وصف ابن جبير بأنه شاهد عيان معاصر على تلك الحقيقة، ألا وهي السياسة التنصيرية التي أراد الصليبيون تنفيذها في منطقة الشرق الأدني من أجل توسيع رقعة عالم المسيحية على حساب الإسلام والمسلمين".(1) كما يورد بعض الأخبار عن "أسامة بن منقذ" في كتابه الاعتبار، ثم يعقِّب على ذلك بقولـه: "وتجدر الإشارة أن إيراد ذلك الرحالة لمثل تلك الأحداث يدل على أنه أدرك خطورة البعد التنصيري كأحد أهداف المشروع الصليبي الذي رغب في تحويل مسلمي الشرق الأدنى إلى مسيحيين يدينون بالولاء لكنيسة روما وفق المذهب الكاثوليكي، مع ملاحظة أن الرحالة المسلمين الذين زاروا بلاد الشام في ذلك العصر، حرصوا على إيراد بعض الروايات الهامة عن ذلك الجانب التنصيري. ولا مراء في أن رواية "أسامة بن منقذ" لها شأنها في ذلك المجال مع ندرة ما ورد في هذا الشأن في المصادر التاريخية العربية المعاصرة".(2) وعن هذا يقول "جورج ليونارد كاري" رئيس أساقفة كانتربري، رئيس الكنيسة الإنجيلية في بريطانيا في محاضرته التي ألقاها بجامعة الأزهر في مطلع (تشرين الأول، 1995م):"... ولايشعر أي مسيحي في الوقت الحاضر بالرضا عن الطريقة التي اتبعها أسلافنا في حسم الصراعات في الماضي. فقد تسبب الصليبيون في إحداث آثار جسيمة في علاقات المسيحيين ببعضهم، وعلاقاتهم بالمسلمين، فهناك الكثير لنعتذر عنه"(1). ثم تزعَّم "ريموند لول"(2) المستشرق المنصِّر الإسباني مهمة العودة إلى التنصير، بعد أن فشلت الحروب الصليبية في مهمتها، وتعلَّم اللغة العربية، وجال في البلاد الإسلامية وناقش العلماء المسلمين في بلاد كثيرة.(3) حقبـة الاحتـلال: ثم تأتي مرحلة الاحتلال (الاستعمار) في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين (التاسع عشر والعشرين الميلاديين)، وما سبقهما من إرهاصات للاحتلال. وتعدُّ هذه المرحلة امتدادًا للحروب الصليبية، مع نقص في الكفاءة وانعدام في التوازن بين الطرفين المسلم والنصراني. ويشكلِّ الاحتلال كذلك شكلاً من أشكال التنصير، بل يعدُّ التنصير ممهدًا للاحتلال أولاً، ثم يعدُّ الاحتلال مسهِّلاً لحملات التنصير بعدئذٍ.(1) فالاستعمار الأوروبي هو الذي مهـد للتنصير في أفريقيا -مثلاً-.(2) وفي هذه الأثناء بدأ التنصير يأخذ طابع التنظيم من خلال وجود مجموعة من المؤسسات والجمعيات والإرساليات(3) التنصيرية، تنظمها وتدعمها الهيئات الدينية على اختلاف طوائفها والحكومات الغربية بخاصة. وظهرت للتنصير مؤسسات داخل المؤسسة الكبرى، كالمعاهد والجامعات والمنظمات والمراكز المنتشرة في كثير من الأماكن. (4) وقد أدى هذا كلُّه إلى الخروج بتصوٌّر عن التنصير أشمل أحيانًا، وأدقَّ أحيانًا أُخرى، من مجرَّد دعوة غير النصارى إلى الدخول في النصرانية. التنصير بين المسلمين: وينظر الآن إلى مفهوم التنصير الحديث بحسب البيئة المستهدفة من الحملات التنصيرية. ففي البيئة الإسلامية أثبتت الجهود عدم جدوى إخراج المسلمين من إسلامهم، وإدخالهم في النصرانية. وينقل عن "السموأل" صموئيل زويمر" في هذا الصدد قولـه: "... لقد أديتم الرسالة التي أنيطت بكم أحسن الأداء، ووفقتم لها أسمى التوفيق، وإن كان يخيل إلى أنه مع إتمامكم العمل على أكمل وجه، لم يفطن بعضكم إلى الغاية الأساسية منه. إني أقركم على أن الذين أدخلوا من المسلمين في حظيرة المسيحية لم يكونوا مسلمين حقيقيين، لقد كانوا، كما قلتم، أحد ثلاثة؛ إما صغير لم يكن لـه من أهله من يعرّفه ما هو الإسلام، وإما رجل مستخفٌ بالأديان لا يبغي غير الحصول على قوته، وقد اشتد به الفقر، وعزت عليه لقمة العيش، وإما آخر يبغي الوصول إلى غاية من الغايات الشخصية. ولكن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هدايةً لهم وتكريمًا. وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقًا لا صلة لـه بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها. ولذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية. وهذا ما قمتم به خلال الأعوام المئة السالفة خير قيام. وهذا ما أهنئكم، وتهنئكم دول المسيحية والمسيحيون جميعًا...".(1) فصيغ المفهوم في المجتمع المسلم بما يمكن الوصول إليه من محاولة إخراج المسلمين من دينهم، وليس بالضرورة إدخالهم في النصرانية. وينقل عن البابا شنودة في الخطاب السري الذي ألقاه في الكنيسة المرقصية في الإسكندرية في شهر صفر من سنة 1393هـ - مارس من سنة 1973م, قولـه: "إنه يجب مضاعفة الجهود التبشيرية الحالية، على أن الخطة التبشيرية التي وضعت بنيت على أساس أن الهدف الذي اتفق عليه من التبشير في المرحلة القادمة هو التركيز على التبشير بين الفئات والجماعات أكثر من التبشير بين الأفراد، وذلك لزحزحة أكبر عدد من المسلمين عن دينهم، أو التمسك به، على أن لا يكون من الضروري دخولهم في المسيحية. ويكون التركيز في بعض الحالات على زعزعة الدين في نفوس المسلمين، وتشكيك الجموع الغفيرة في كتابهم، وفي صدق محمد. وإذا نجحنا في تنفيذ هذا المخطط التبشيري في المرحلة القادمة فإننا نكون قد نجحنا في إزاحة هذه الفئات عن طريقنا. وحتى هذه الحالة إن لم تكن لنا فلن تكون علينا" (1) ولذا فإنَّ مفهوم التنصير اكتسب معنى خاصًا بالمسلمين صرّح به أقطاب التنصير, بحيث أصبح أداة من أدوات محاربة الإسلام بإخراج المسلمين منه. (2) وعندما تبين صعوبة إخراج المسلمين من دينهم عمد المنصرون إلى اتِّباع أساليب المستشرقين في بذر الشكوك في الإسلام لدى المسلمين، ونزع سلطان الدين من النفوس، كما يشير "هاملتون جبّ"(3) في كــــتابه وجهة الإســــــــــــلام،(1) فاعتمد المنصرون أساليب بعض المستشرقين في تحقيق هدف تنصيري أدقَّ من المفهوم العام التقليدي للتنصير. وهذا ما أعلنه أيضًا بعض المنصرين في أكثر من مناسبة. ومنها المؤتمر التنصيري الذي عقد بجبل الزيتون في القدس في فلسطين المحتلَّة سنة 1346هـ- 1927م،(3) وحضرته أربعون دولة من الدول الغربية الصليبية، حيث قام أحد أقطاب هذا المؤتمر قائلاً: " أتظنون أن غرض التنصير وسياسته إزاء الإسلام هو إخراج المسلمين من دينهم ليكونوا نصارى؟ إن كنتم تظنون هذا فقد جهلتم التنصير ومراميه. لقد برهن التاريخ من أبعد أزمنته على أن المسلم لايمكن أن يكون نصرانيًا مطلقًا، والتجارب دلتنا ودلت رجال السياسة النصرانية على استحالة ذلك. ولكن الغاية التي نرمي إليها هي إخراج المسلم من الإسلام فقط، ليكون مضطربًا في دينه، وعندها لا تكون له عقيدة يدين بها ويسترشد بهديها، وعندها يكون المسلم ليس لـه من الإسلام إلا اسم أحمد أو مصطفى، أما الهداية فينبغي البحث عنها في مكان آخر".(1) ومن المهم-هنا- ومع مايتضمنه كلام "زويمر" من صدق في صعوبة تنصير المسلم، من المهم عدم الاستهانة بالحملات التنصيرية ومدى تأثيرها على عقول المسلمين وأذهانهم، رغم صعوبة توافر بيانات عن المسلمين الذين يتنصرون، ويتم تعميدهم بالكنائس التي تشترط، أو يشترط عليها، التكتم في هذا المجال. تقول:" آمال قرامي": " إن المطلع على المصادر الحديثة لا يمكنه أن يغض النظر عن ظاهرة ساهمت في تحويل عدد من المسلمين عن دينهم، ونعني بها ظاهرة التبشير التي، إن عملت جاهدة في البداية على عدم مصادمة الشعور الديني للمسلمين، إلا أنها سرعان ما أسفرت عن مخططاتها انطلاقًا من سنة 1868(م). فلا غرو، إذن، أن يكثر عدد المقبلين على اعتناق المسيحية، خاصة بعد أن ضعفت الحالة السياسية في مختلف الأمصار الإسلامية، وتدهورت الحالة الاقتصادية، وانتشرت الأوبئة في مختلف المجتمعات الإسلامية".(1) والصعوبة في تنصير المسلم لاتعني، بالضرورة، الاستحالة، والشواهد على ذلك قائمة، "وليس من الضروري متابعة كل الشواهد، إذ إنها تلتقي جميعًا في حرص أصحابها، عن قصد أو عن غير قصد، على التقليل من شأن نجاح الإرساليات التبشيرية".(2) وهناك من حاول إجراء إحصائية، أو إحصائيات، لعدد المتنصيرين، ولكنها تظل دون الواقع وممن حاول ذلك الدارس" جودول" ومجلة العالم الإسلامي التي يحررها "صمويل زويمر".(3) وقد تعمد هذه المراجع إلى أن تكون "موجهة تبتغي التباهي بالنصر الذي حققته الكنيسة على يد المبشرين المنتشرين في عدة بلدان. وتروم إقناع المسلمين بأن ظاهرة التنصُّر قد استشرت في العصر الحديث لما في المسـيحية من تعاليم إنسانية يتوق إليها الجميع".(1) وبقيت الدعوة إلى إدخال غير النصارى في النصرانية جزءًا من المفهوم العام للتنصير، ولم تعد هي المفهوم الطاغي على هذه الحركة، لما فيها من الضيق في الاستجابة، رغم وجود الإمكانات المادية والبشرية العاملة في مجال التنصير في مفهومه العام. حمايـة النصارى: كما أن من مفهومات التنصير داخل المجتمع النصراني الإبقاء على النصارى داخل دينهم، وظهور دعوات طائفية من كاثوليكية وبروتستانتية وأرثودوكسية، تتنافس فيما بينها لكسب أكبر عدد ممكن من النصارى أتباعًا لها. ويركز هذا المفهوم على حماية النصارى من التيارات الأخرى الجديدة من أن تكون ذات تأثير على النصرانية، كما أنه يركز على حماية النصارى طائفيًا، بحيث لايخرج النصراني من طائفة نصرانية إلى أخرى. ولا يبدو أن التركيز على الحماية واضح فيما يتعلق بالتيارات القديمة كاليهودية والفلسفات اليونانية [الإغريقية] والهنديـة والفارسية وغيرها، وذلك لوجود شيء من التزاوج بين النصرانية وهذه الثقافات القديمة منذ القدم، بدءًا بحركة شاؤول أو بولس في النصف الثاني من القرن الميلادي الأول (ت 67م)، الذي عمل على تسخير النصرانية لخدمة الأفكار اليهودية على المدى البعيد، الأمر الذي تحقق منذ زمن، واتضح تمامًا بعد قيام وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلَّة. وقد انضم المجلس العالمي للكنائس إلى المنظمة الصهيونية العالمية علنًا عام 1397هـ-1977م.(1) التعميــد: ومن مفهومات التنصير القديمة زمنيًا، ولا تزال تستخدم، مصطلح التعميد أو التغطيس، وذلك حينما يُغطَّس أو يعمّد الطفل صغيرًا في ماء قد صلَّى عليه القسيس فأصبح مباركًا. وعند النصارى أن هذه الشعيرة ضرورية في عدِّ المرء نصرانيًا، حتى ليعمَّد أولئك الذين يتنصَّرون في سن متقدمة بتغطيسهم بأي ماء يدعو فيه رجل الدين بدعوات، يتم بعدها إعلان دخول المعمَّد رسميًا في النصرانية. وهذا المفهوم الأخير يعدُّ طقسًا من طقوس النصرانية لا علاقة لـه بتلك المفهومات المتقدِّم ذكرها. وهو جزء من العقيدة النصرانية التي لا تدخل في نطاق هذه الوقفات. وإنما ورد ذكره هنا رغبة في تتبُّع ما اصطُلِح عليه على أنه من التنصير.(2) التنصير المحلّـي: ومن مفهومات التنصير الحديثة "قيام مجموعة من المنصِّرين باحتلال منطقة معينة والعمل على تنصير أهلها (سكَّانها) وإنشاء كنيسة (وطنية) تؤول رعايتها تدريجيًا للأهالي دون مساعدات من الكنائس الأم. ويتبنَّى السكَّان بدورهم مهمات التنصير في المناطق التي لم يصل إليها التنصير"،(1) مما يكون أدعى للقبول عندما يتولى التنصير أولئك الذين يجيدون اجتماعيًا ولغويًا وبيئيًا التخاطب مع الأهالي، فهم من أبنائهم. وهو بهذا المفهوم أضحى علمًا قائمًا بذاته تفرَّع من علوم اللاهوت، ولـه حساب في مجال الدراسات والأبحاث.(2) التبشــير: ويتردد مصطلح التبشير في كثير من الكتابات العربية، وهو مرادف لمصطلح التنصير. والتبشير هو التعبير النصراني المحبَّب لحملات التنصير، ولـه عند النصارى تعريفات مختلفة بحسب العصور التي مرت بها النصرانية. فهو تارة إرسال مبعوثين ليبلِّغوا رسالة الإنجيل لغير المؤمنين بها، أو محاولة إيصال تعاليم العهد الجديد لغير المؤمنين بها، أو إيصال الأخبار السارَّة إلى الأفراد والجماعات "ليقبلوا يسوع المسيح ربَّا مخلِّصًا، وأن يعبدوه من خلال عضوية الكنيسة، وفي حالة عدم إمكان ذلك السعي إلى تقريب المعنيين من الأفراد والجماعات من الحياة النصرانية بما في ذلك صرفهم عن دياناتهم بشتَّى الوسائل والأساليب".(1) وذلك كله مأخوذ مما يؤثر عن عيسى بن مريم – عليهما السلام- قولـه:" اذهبوا إلى جميع الأمم وبشروهم بكلمة الله".(2) وهو عند المسلمين تنصير وأصحابه نصارى. ولم يتخلَّ المسلمون عن هذه المصطلحات منذ أن نزل القرآن الكريم وسماهم النصارى، وكذا سماهم خاتم الأنبياء -عليه الصلاة والسلام- حتى جاء العصر الحديث، فداهمت الأمة غزوات استعمارية وفكرية، أُشيعت مصطلحاتها بين المسلمين.(3) على أن هناك من يفرِّق بين الإطلاقين - النصرانية والمسيحية - فيجعل المسيحية هي الدين المنسوب إلى شاؤول أو بولس التي تختلف في جوهرها عن النصرانية التي يتحدث عنها القرآن الكريم، فليس نصارى اليوم، أو مسيحيُّو اليوم هم نصارى الأمس من أتباع عيسى بن مريم - عليهما السلام - قبل تدخُّل شاؤول أو بولس في تعاليم النصرانية، وتطويعها للوثنية وتقريبها إلى اليهودية أكثر من قربها الشرعي لها. وفي هذا يقول عمر فرُّوخ: "يجب التفريق بين النصرانية والمسيحية، فالنصرانية هي الدين السماوي الذي أُوحي إلى عيسى- عليه السلام - وهو دين قائم على التوحيد، وعلى أن المسيح عيسى بن مريم -عليهما السلام- نبي. أمَّا المسيحية فهي مجموع التعاليم التي وضعها بولس (ت 67م) والتي بنيت على التثليث الهندي، ثم نسبت إلى "المسيح" الذي جُعِل إلهًا".(1) وعلى أي حال فهذه وجهة نظر لا تتفق مع إطلاق القرآن الكريم على أتباع هذا الدين بأنهم نصارى، لأن القرآن الكريم نزل على محمد -- بعد حركة بولس هذه. ومع هذا فالقرآن الكريم عبر عن أتباع عيسى بن مريم- عليهما السلام- بالنصارى أو أهل الكتاب بتعبير أشمل من مجرد النصارى، ليدخل فيه اليهود كذلك. ويظل مفهوم التنصير قابلاً للتطوير بحسب ما تقتضيه الحال، وبحسب البيئة التي يعمل بها، وبحسب التوجهات العقدية والسياسية التي تسيِّر المنصرين، وتسعى بهم إلى تحقيق أهداف استراتيجية داخل المجتمعات التي يغلب عليها النصارى، والمجتمعات الأخرى التي يغلب عليها غير النصارى. * **** *   الفصل الثاني أهـــداف المنصِّّّّريـــن تمهيــد: من خلال عرض مجموعة من المفهومات المتغيرة للتنصير يمكن الخروج بمجموعة من الأهداف التي يسعى المنصرون إلى تحقيقها بوسائل شتَّى، سيأتي الحديث عنها. وتتراوح الأهداف فيما يتعلق بالوصول إليها زمانًا إلى أهداف قريبة المدى وأخرى بعيدة المدى غير ملموسة النتائج بوضوح. ويظهر أن من أهم الأهداف التي يسعى المنصرون إلى تحقيقها، في مواجهة الإسلام خاصة، وفي نشر التنصير بعامة، هي كالآتي: أهم أهداف المنصرين: 1 - الحيلولة دون دخول النصارى في الإسلام، وهذا الهدف موجه الجهود في المجتمعات التي يغلب عليها النصارى. ويعبِّر عنه بعض المنصرين بحماية النصارى من الإسلام. 2 - الحيلولة دون دخول الأمم الأخرى - غير النصرانية - في الإسلام واالوقوف أمام انتشار الإسلام بإحلال النصرانية مكانه، أو بالإبقاء على الملل والنحل والعقائد المحلية المتوارثة. 3 - إخراج المسلمين من الإسلام، أو إخراج جزء من المسلمين من الإسلام. وهذا من الأهداف طويلة المدى، لأن النتائج فيه لا تتناسب مع الجهود المبذولة لـه من أموال وإمكانات بشرية ومادية. ذلك لأنه يسعى إلى هدم الإسلام في قلوب المسلمين، وقطع صلتهم بالله تعالى، وجعلهم مِسَخًا "لا تعرف عوامل الحياة القوية التي لا تقوم إلا على العقيدة القويمة والأخلاق الفاضلة".(1) 4- بذر الاضطراب والشك في المُثُل والمبادئ الإسلاميـة، لمن أصـروا على التمسك بالإسلام، ولم يجدِ فيهم الهـدف الثالث سالف الذكر. وقد تكرر هذا الهدف في محاولات المنصر المعروف السمـوءل (صاموئيل) زويمر،(1) الذي خاض تجربة التنصير في البلاد العربية بعامة، وركز على منطقة الخليج العربية بخاصة. وقد أرسل إلى لو شاتليه(2) رسالة في 7/8/1329هـ- 2/8/1911م قال فيها: "إن لنتيجة إرساليات التبشير في البلاد الإسلامية مزيتين: مزية تشييد ومزية هدم، أو بالحري مزيتي تحليل وتركيب. والأمر الذي لا مرية فيه هو أن حظ المبشرين من التغيير - الذي أخذ يدخل على عقائد الإسلام ومبادئه الخلقية في البلاد العثمانية والقطر المصري وجهات أخرى- هو أكثر بكثير من حظ الحضارة الغربية منه، ولا ينبغي لنا أن نعتمد على إحصائيات التعميـد في معرفة عدد الذين تنصروا رسميًا من المسلمين، لأننا هنا واقفون على مجرى الأمور ومتحققون من وجود مئات من الناس انتزعوا الدين الإسلامي من قلوبهم واعتنقوا النصرانية من طرف خفي".(3) ويعقِّب شاتليه على رسالة زويمر بقولـه: "ولا شك أن إرساليات التبشير من بروتستانتية وكاثوليكية تعجز عن أن تزحزح العقيدة الإسلامية من نفوس منتحليها، ولا يتم لها ذلك إلا ببث الأفكار التي تتسرب مع اللغات الأوروبية، فبِنَشرها اللغات الإنجليزية والألمانية والهولندية والفرنسية يتحكَّك الإسلام بصحف أوروبا وتتمهَّد السبل لتقدُّم إسلامي مادي، وتقضي إرساليات التبشير لبانتها من هدم الفكرة الدينية الإسلامية التي لم تحفظ كيانها وقوتها إلا بعزلتها وانفرادها".(1) وشاتليه -هنا- يؤكد على تأثير تعلم اللغات، كما يؤكد على تأثير الإعلام في النفوس. 5 - الإيحاء بأن المبادئ والمثل والتعاليم النصرانية أفضل من أي مثل ومبادئ أخرى، لتحلَّ هذه المثل والمبادئ النصرانية محلَّ المبادئ والمثل الإسلامية. ولا يتأتى هذا مباشرة، ولكنه ينفذ من خلال دعاوى لايظهر عليها البعد الديني المباشر، وإن كانت تسير في تحقيق هذا الهدف. 6 - الإيحاء بأن تقدم الغربيين الذي وصلوا إليه إنما جاء بفضل تمسكهم بالنصرانية، بينما يعزى تأخُّر العالم الإسلامي إلى تمسُُّكِِهم بالإسلام. وهذا منطق المنصرين المتمسكين بنصرانيتهم. أما العلمانيون فإنهم يقررون أن سرَّ تقدم الغرب إنما جاء لتخليهم عن النصرانية، وأن تخلف المسلمين يعود إلى إصرارهم على التمسُّكِ بدينهم. (2) والمهم التوكيد هنا أن المقصود بهذا المنطق الأخير للعلمانيين هو تطويع الدولة للدين، وإلا فيترك للفرد أن يعبد الله كما يريد.(1) وهذا ماصرح به إبراهيم فهمي هلال في دعوته لأن يكون دستور مصر غير ديني، مصريًا لاعربيًا، واضحًا صريحًا في ألفاظه ومعانيه. كما دعا إلى "فصل الدين عن الدولة صراحةً في الدستور الجديد حرصًا على قيام الأمة ووحدة أبنائها. وليس معنى هذا التحرر من الدين، فليتمسك كل منا شخصيًا بدينه. وعلى الدولة رعاية جميع الأديان".(2) ويجيب على ذلك ضمنًا" إبراهيم محمود" بقولـه:" وإذا كان هناك من يربـط بين المسيحية والتقدم. والإسلام والتخلف، وأن التقدم علامة المسيحية الفارقة، والتخلف سمة الإسلام الرئيسية، فمن الجدير بالذكر القول: إن الديانتين في الأصل شرقيتان. وأن تصنيفهما هكذا غير تاريخي، فالانتشار الثقافي، أو الحضاري، الذي شهده الإسلام في فترة زمنية طويلة، حيث كانت المسيحية تشهد ظلمات القرون الوسطى الأوروبية، يؤكد مثل هذا التصور: أي عدم ربط التخلَّف بالإسلام، والتقدم بالمسيحية...".(3) 7 - تعميق فكرة سيطرة الرجل الغربي الأبيض على بقية الأجناس البشرية الأُخرى، وترسيخ مفهوم الفوقية والدونية،(1) تعضيدًا للاحتلال بأنواعه والتبعية السياسية من الشعوب والحكومات الإسلامية للرجل الأبيض. ومن ثَمَّ يستمر إخضاع العالم الإسلامي لسيطرة الاحتلال، ويستمر التحكُّم في مقدراته وإمكاناته.(2) والأحداث المتلاحقة في العالم الإسلامي تؤيد ذلك. 8 - ترسيخ فكرة قيام وطن قومي لليهود في أي مكان أولاً، ثم في فلسطين المحتلَّة بعدئذٍ، أخذًا في الحسبان أن الإنجيل [العهد الجديد بعد تحريفه بأيدٍ يهودية] يتضمَّن تعاليم تدعو إلى هذه الفكرة، وأنها أضحت واجبًا مقدَّسًا على النصارى.(3) ومن ناحية أخرى التخلُّص من الجنس اليهودي من أوروبا ثم أمريكا الشمالية، وتجميعهم في مكان واحد. وهذا هدفٌ فرعي لذلك الهدف العقدي، ولم يتم هذا رغم استمرار تجمُّع اليهود في فلسطين المحتلَّة. على أن تجميع اليهود في مكان واحد مؤشر من مؤشرات لاتخدم الجنس اليهودي على المدى البعيد، ولكنها حكمة بالغة فما تغني النذر. 9 - التغريب، وذلك بالسعي إلى نقل المجتمع المسلم في سلوكياته وممارساته، بأنواعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأُسْري والعقدي، من أصالتها الإسلامية إلى تبني الأنماط الغربية في الحياة، وهي المستمدة من خلفية دينية نصرانية أو يهودية. وفي هذا يقول سيرج لاتوش في كتابه تغريب العالم: "إن تغريب العالم كان لمدة طويلة جدًا - ولم يكفّْ كليًا عن أن يكون - عملية تنصير إن تكريس الغرب نفسه للتبشير بالمسيحية يتضح تمامًا، قبل الحروب الصليبية الأولى، في انطلاقات التنصير قسرًا. وإن مقاومة شارل مارتل في بواتييـه، وأكثر من ذلك تحويـل السكسون إلى المسيحية بوحشيـة، على يد القديس بونيفـاس (680-754م): ألا يشكل ذلك الحرب الصليبية الأولى، وأقصد القول إنه شهادة لتأكيد ذاتية الغرب كعقيدة وكقوة؟.. وهكذا، نجد أن ظاهرة المبشرين بالمسيحية هي بالتأكيد حقيقة ثابتة للغرب، باقية في ضميره بكل محتواها الديني، يجدها الإنسان دائمًا في العمل تحت أكثر الأشكال تنوعًا. واليوم أيضًا، فإن أغلب مشروعات التنمية الأساسية في العالم الثالث تعمل بطريق مباشر أو غير مباشر، تحت شارة الصليب".(1) 10- والهدف الذي يذكر هنا متأخِّرًا، قصدًا, هو إدخال النصرانية أو إعادتها إلى عدد كبير من البلاد الإسلامية وغيرها، لاسيما في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية. وفي هذا يقول روبرت ماكس أحد المنصِّرين من أمريكا الشمالية: "لن تتوقف جهودنا وسعينا في تنصير المسلمين حتى يرتفع الصليب في سماء مكَّة ويقام قُدَّاس الأحد في المدينة".(2) ويأتي هذا الهدف متأخِّرًا في الترتيب؛ لأنه قد تبين من تجارب المنصرين في المجتمعات الإسلامية بخاصَّة، والتي وصل إليها الإسلام بعامة، أنه ليس بالضرورة أن يكون هذا الهدف هو إدخال الأخرين في النصرانية، بقدر ما هو محاولة لضمان استمرار سيطرة النصرانية على الأُمم الأُخرى. ويمكن القول بأن هذه الأهداف المذكورة أعلاه تمثِّل مجمل ما يسعى المنصرون بعامة إلى تحقيقه في حملاتهم التنصيرية. الأهـداف الفرعيـة: وتظل هناك أهداف فرعية قد تُشتقُّ من مجمل هذه الأهداف المذكورة، ويسعى بعض المنصرين إلى التركيز عليها دون غيرها، بحسب ما تقتضيه البيئة التي يعملون بها. كما يمكن القول من هذا المفهوم أيضًا أن هذه الأهداف جميعها وتفريعاتِها ليست بالضرورة مجتمعةً هي مجال اهتمام جميع المنصرين. ولا يظنُّ أن كلَّ منصِّر يمكن أن يعمل على تحقيقها كلها أو معظمها، بل قد يبدو عن بعض المنصِّرين عدم حماسهم لبعض الأهداف المذكورة هنا. وربما يرفض البعض منهم أن يزجَّ في سبيل تحقيقها، ذلك لأنه غير مؤهَّل لتحقيق كل ما يريد التنصير تحقيقه من ناحية، بسبب عدم تخصصه في جميع فروع التنصير الذي أضحى - كما يقال - علمًا من العلوم التي تُتلقَّى على مقاعد الدراسة وقاعات المحاضرات، واكتسب المصطلح الذي ينتهي بالإيحاء بأنه علم ملصقة بكلمة البعثة missionology، وأصبحت فكرة التخصص أيضًا مسيطرةً في مجال التنصير، كما أصبحت معاهد التنصير ومدارسه تنشئ أقسامًا فيها وشُعَبًا، تجد في كلِّ قسم أو شعبة تركيزًا على هدف من الأهداف، أو على بيئة جغرافية أو ثقافية تسعى إلى تحقيق هدف واحد أو أكثر مما يمكن تحقيقه في هذه البيئة أو تلك.(1) وإذا لاحظنا أن بعض المنصرين مدفوعون بالحماس والعاطفة الدينية والرغبة الصادقة في إنقاذ العالم، ندرك أن الرغبة في تحقيق أهداف احتلالية [استعمارية] أو أهداف سياسية قد لا تكون واردة عند هذه الفئة، لأنهم في الغالب غير متفقين مع السياسات الغربية الداخلية والخارجية. فالحماس والعاطفة الدينية تملي عليهم أن هذه الدول الغربية عَِلمانية لا تأخذ من الدين إلا ما يخدم أهدافها وسياساتها في الداخل والخارج، ومن ذلك استخدام التنصير لتحقيق أهداف استعمارية وسياسية واقتصادية. ولعله من الموضوعية بمكان أن نذكر أن هناك منصرين مخلصين في أعمالهم التنصيرية من منطلق ديني بحت. وقد رأوا في دينهم أنه هو الخلاص للبشرية من المشكلات العاصفة بها. وإذا ما وجد البديل الحق ووجدوا فيه الخلاص الحق تركوا التنصير والنصرانية واعتنقوا هذا البديل الحق وصاروا دعاة له،(1) بدلاً من أن يكونوا دعاة ضده هادمين له، إن استطاعوا. المهتـــدون إلى الإسلام: وهناك نماذج كثيرة حية جاء أصحابها إلى بيئات إسلامية بحجة العمل، وإنما جاءوا ليتولوا مهماتهم التنصيرية بين قومهم أولاً، ثم بين من يمكن لهم الاختلاط بهم من المسلمين. وعندما تبين لهم الحق تركوا كل شيء واهتدوا للإسلام، ثم عملوا دعاةً بين قومهم وبين من يمكن لهم الاختلاط بهم. ومما يؤيد ذلك أن بعضًا منهم إذا تبين لـه تدخُّل النفوذ السياسي في الحملات التي يعمل معها فإنه سرعان ما يتراجع عن جهوده، وربما اعتزل التنصير الخارجي، وتفرّغ للتنصير في بيئته الصغيرة المحيطة به من أبناء جلدته، وربما سعي إلى البحث عن تنظيمات تنصيرية يتوسم فيها البعد عن سوء الاستغلال لأغراض أخرى سياسية أو اقتصادية أو نحو ذلك. إلا أن هذه الفئة من المنصرين لا تظهر في الكتابات المؤيدة للتنصير، لأنها تعطي انطباعة غير جيدة عن الحملات التنصيرية وارتباطاتها بالتيارات الأخرى. ومسألة اهتداء النصارى، لاسيما المنصِّـرون منهم، ليست مسألة جديدة، فإن التاريخ الإسلامي حافل بنماذج من الذين هداهم الله تعالى إلى الإسلام. وكان من نتائج ذلك أن تحوّلوا إلى دعاة إلى الخير، فكتبوا عن عقيدة التثليث، يبينون ما طرأ على النصرانية من تحريف، ويجادلون بني قومهم باللغة التي يفهمونها. وفي هوامش هذه الوقفة بعض نماذج مما كُتب حول ذلك. ولعل أول ما يسترعي انتباه المهتدين إلى الإسلام هي عقيدة التوحيد، التي تتماشى مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها في عبادة واحد أحد، دون منازع أو شريك. ولأن هذا التوحيد قد استقرَّ في نفوس المسلمين فإنه قد لا يدرك العامة من المسلمين هذا الاستقرار العقدي الذي هداهم الله تعالى إليه، لاسيما في نظرة الآخرين لهم، وعندما يراهم الآخرون بهذا القدر من الاستقرار الروحي يبحثون في أسباب هذه النعمة فيجدونها في التوحيد. ولذا كان من الواجب على المسلمين إبراز هذا الاستقرار العقدي والروحي للآخرين من خلال تمسكهم هم أولاً بصفاء هذا المعتقد، بعيدًا عن كل ما يخدشه من بدع وخرافات، ثم من خلال ما يحصل من حوارات ونقاشات حول الأديان. وهذا كثيرًا ما يحدث عند الاختلاط مع أصحاب الأديان الأخرى. * **** *   الفصل الثالث وســـائل المنصِّريــن تمهيــد: قبل الخوض في عدِّ الوسائل لابدَّ من توزيعها بحسب أنواعها وأنماطها. فهناك وسائل صريحة وأخرى خفية أو مختفية، كما أن هناك وسائل تقليدية وأخرى حديثة، فرضتها الحالة التي وصل إليها العالم اليوم في تقنية الاتصال والمعلومات والمواصلات، وتنوِّع الوسائل وتعدِّدها وتجدُّدها, وتطويعها للبيئة التي تعمل بها والمستهدفة من التنصير.(1) ولم تغفل الكتابات الأجنبية هذه الوسائل، بل أولتها اهتمامًا متوقعًا من أي جهد يراد لـه الخروج بنتائج تبين جدوى هذه الجهود.(2) وقد تنبه منظرو التنصير إلى الوسائل، وأجروا عليها تقويمات وتعديلات تتناسب مع الزمان والمكان. وقد أوصلها بعضهم إلى سبع مئة طريقة، أو خطة للتنصير.(3) وآخر يقترح تخطيطًا لجملة من الاستراتيجيات لتنصير العالم، يضمنها الوسائل والطرق التي يراها.(4) وكما لم يغفل المخططون للتنصير الزمان، لاسيما المستقبل،(1) لم يغفلوا كذلك المكان، فظهرت إسهامات تتعلق بالعرب خاصة. وإذا قيل العرب -هنا- قُصِدَ بهذا الإطلاق المسلمون. (2) ومع الاهتمام بالمستقبل والتخطيط له، بما في ذلك تحديث الوسائل وتجديدها، بعد مراجعتها وتقويمها،(3) لم يغفل المنصرون جهودهم السابقة التي اتكأ عليها التنصير، وإن لجأوا إلى التجديد في الأساليب والطرق والوسائل.(4) وأبرز الوسائل وأظهرها وأوضحها التنصير الصريح، وهو على نوعين: التنصير العلمي القائم على النقاش، أو على السفسطة والتشكيك على طريقة الاقتضاب(5) المعروفة في مثل قول الشاعر: ماقال ربك ويل للألى سكروا *** بل قال ربك ويل للمصلينا(6) والنوع الثاني من أنواع التنصير الصريح هو التنصير القسري,(1) ويتمثل في الحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش واختطاف الأطفال,(2) والقرصنة البحرية، وإحراق المسلمين الرافضين للتنصير، والغزوات، والاحتلال [الاستعمار]، وفرض الأفكار قسرًا. ويمكن أن يتحقق القيام بالتنصير الصريح من خلال قيام مؤسسات تنصيرية ترعى الحملات، وتمكن لها، وتمدها بما تحتاجه من الموارد المالية والبشرية. وتتلقى الدعم المادي والمعنوي من الحكومات الغربية، ومن المؤسسات والأفراد عن طريق المخصصات والتبرعات والهبات والأوقاف. الجمعيات: ومن أبرز هذه المؤسسات التنصيرية قيام الجمعيات المتعددة في أوروبا وأمريكا، أو في البلاد المستهدفة. ومن أمثلتها الجمعيات الآتية مرتبة حسب تأريخ إنشائها: جمعية لندن التنصيرية، وتأسست سنة 1179هـ-1765م، وهي موجهة إلى أفريقيا. جمعيات بعثات التنصير الكنسية، وتأسست في لندن سنة 1212هـ-1799م، وهي موجهة إلى الهند ومنطقة الخليج العربي. جمعية تبشير الكنيسة الأنجليكانية البريطانية، وتأسست سنة 1314هـ-1799م، وتدعم من الأسرة المالكة في بريطانيا. جمعية طبع الإنجيل البريطانية، وتأسست سنة 1219هـ-1804م، وتهتم بالطبع والترجمة والتوزيع. الجمعية المسيحية الإرسالية، وتأسست سنة 1842 مع بدء النشاط التنصيري في نيجيريا الجنوبية، ووضع لها راع من نيجيريا برتبة أسقف ويدعى "صمويل آجاي كراوتر".(1) جمعية طبع الإنجيل الأمريكية، وتأسست سنة 1231هـ-1816م، ولها مطابع ومكتبات تجارية في البـلاد العربية كمطبعة النيل ومكتبة الخرطوم.(2) مجلس الكنيسة المشيخية الأمريكية، ونشأت سنة 1253هـ-1837م، وهي موجهة إلى العالم العربي. جمعية الكنيسة التنصيرية، ونشأت سنة 1260هـ-1844م، وتركز على التعليم والخدمات العلاجية. ويسهم الألمان فيها بجهود. جمعية الشبان النصارى، ونشأت سنة 1271هـ-1855م، ومنها ظهرت: إرسالية الجامعات لوسط أفريقيا، ونشأت سنة 1273هـ-1856م. وقد قامت تلبية لنداءات المستكشفين الجغرافيين الإنجليز في الجامعات والجمعيات البريطانية. جمعية الشباب القوطيين للتنصير في البلاد الأجنبية. الكنيسة الإصلاحية الأمريكية، وتأسست سنة 1273هـ-1857م، وهي موجهة إلى منطقة الخليج العربي. جمعية الروح القدس في زنجبار، وتأسست سنة 1280هـ-1863م، وهي كاثوليكية، وتهتم بالعلاج والتعليم الصناعي. وأنشأ البابا ليو الثالث عشر سنة 1295هـ-1878م أسقُفيتين لمباشرة التنصير الكاثوليكي في شرق أفريقيا، واحدة منها في منطقة بحيرة فكتوريا والأخرى في منطقة بحيرة تنجانيقا. اتحاد البعثة التنصيرية الإنجيلية، وتأسست سنة 1207هـ-1890م في الولايات المتحدة الأمريكية. الإرساليات العربية الأمريكية، ونشأت سنة 1311هـ-1894م في الولايات المتحدة الأمريكية، وتهتم بمنطقة الخليج العربي. جمعية اتحاد الطلبة النصارى، وتأسست سنة 1313هـ- 1895م. حملة التنصير العالمية، وتأسست سنة 1331هـ-1913م في الولايات المتحدة الأمريكية، وتهتم بالطب والتعليم والأدب والترجمة. زمالة الإيمان مع المسلمين، وأنشئت سنة 1334هـ-1915م في بريطانيا وكندا، وتهتم بالمطبوعات. عمودية التعبئة، وتأسست سنة 1377هـ-1958م، وهي موزعة، وتعني بتدريب الشباب على التنصير. جمعية تنصير الشباب، ونشأت سنة 1372هـ-1952م. الامتداد النصراني في الشرق الأوسط، ونشأت سنة 1396هـ-1976م، وهي موزعة، وتهتم بالمطبوعات. إرسالية الكنيسة الحرة الاسكتلندية. وتهتم بالصناعات اليدوية والزراعة. جمعية التنصير في أرض التوراة العثمانية. جمعية تنصير شمال أفريقيا. لجنة التنصير الأمريكية. إرسالية كنيسة أسكوتلندة الرسمية، وقامت تلبية لنداء المستكشف الإنجليزي "ليفينجستون". هذا بالإضافة إلى الجمعيات المحلية في العواصم والمدن الإسلامية، يقوم عليها عاملون محليون مدعومون من جمعيات تنصيرية غربية، أوروبية (1) وأمريكية.(1) وبين الأكراد وحدهم عشرات الجمعيات التنصيرية الصغيرة التي يقودها في الغالب نساء متفرغات للعمل التنصيري بشتى وسائله. وتشير التقارير غير المنشورة أن منطقة الأكراد تتعرّض لهجمة صليبية عنيفة، تتخذ فيها سبل شتى لا تتورع عن استخدام الرذيلة والمخدرات واللهو ونشرها بين الفتيان والفتيات الأكراد. وكذا الحال في أفغانستان وجمهوريات الاتحاد السوفيتي المستقلة وغيرها مما يصدق عليها قولنا المأثور "مصائب قوم عند قوم فوائد". وهذه نماذج فقط من الجمعيات التنصيرية المتعددة والمتنوعة الاتجاهات والتخصصات. (2) وهناك موسوعة كاملة بالإنجليزية ترصد المعلومات عن معظم الجمعيات التنصيرية في العالم، وتخضع للمراجعة الدورية، فتضيف جمعيات جديدة، وتجدّد المعلومات عن جمعيات قائمة، وتقدم عرضًا للجهود المبذولة على مستوى حملات التنصير في العالم.(3) مؤهـلات المنصِّريـن: وقد وضع المؤتمر التنصيري المعقود بالقاهرة سنة 1324هـ-1906م مجموعة من التوصيات لهذه الوسائل الصريحة تعد قواعد ومعالم للحملات التنصيرية في المجتمع المسلم بخاصة. أ - ففيما يتعلق بالمنصر أو المنصرة أوجبوا عليهما الآتي: 1- تعلُّم اللهجات المحلية ومصطلحاتها. 2- مخاطبة العوام على قدر عقولهم. 3- إلقاء الخطب بصوت رخيم وفصيح المخارج. 4- الجلوس أثناء إلقاء الخطب. الابتعاد عن الكلمات الأجنبية أثناء إلقاء الخطب. 6- الاعتناء باختيار الموضوعات. 7- العلم بآيات القرآن والإنجيل. 8- الاستعانة بالروح القدس والحكمة الآلهية. ب - استخدام الوسائل المحببة إلى المسلمين من العوام كالموسيقى وعرض المناظر باستخدام تقنيات التعليم، وكذلك تقنيات الاتصال. جـ- دراسة القرآن للوقوف على ما فيه. د - عدم إثارة نزاعات مع المسلمين. هـ- إقناع المسلمين بأن النصارى ليسوا أعداءً لهم. و - إيجاد منصرين من بين المسلمين ومن أنفسهم. ز - زيارة المنصرات لبيوت المسلمين، والاجتماع بالنساء، وتوزيع المؤلفات والكتب التنصيرية عليهن، وإلقـاء المحاضرات الدينية في تعاليم الإنجيل.(1) التنصير المختفي: أما التنصير المختفـي فينفَّذ بوسائـل متعددة ومتجدِّدة خاضعة للمراجعة والتقويم الدوري، مطوعةٍ للبيئات التي تعمل بها، ومن أهمها الوسائل الآتية: 1 - البعثات الدبلوماسية: البعثات الدبلوماسية في البلاد الإسلامية عن طريق السفارات الغربية أو القنصليات أو الملحقيات الثقافية والتجارية والمؤسسات الأجنبية الرسمية الأخرى. وعلى أي حال يدرَّب بعض العاملين في المؤسسات الأجنبية الرسمية من سفارات وغيرها على التنصير قبل انخراطهم العملي في السلك الدبلوماسي، ويصدق هذا على العاملين النصارى. ومثال ذلك قصة القنصل البريطاني في زنجبار "جون كرك" الذي دعا سنة 1294هـ-1877م الأمين العام لجمعية الكنيسة التنصيرية "هنري رايت" إلىسرعة إرسال المنصرين، وأكد على أهمية ذلك الدينية والسياسية للوقوف في وجه ما سماه بالامتداد المصري التركي، أي الوقوف في وجه المد الإسلامي.(1) ومما يدخل في أعمال الملحقيات الثقافية الأجنبية، أي غير الإسلامية، في هذا المجال إنشاء المدارس الأجنبية للجاليات الأجنبية وطبعها بالطابع التنصيري في المناهج وأوجه النشاط غير المنهجية، كالثقافية التي يبدو من ظاهرها التعريف بالبلاد التي تمثلها الملحقية، وفي باطنها الدعوة المختفية إلى التنصير، ثم إتاحة المجال لأبناء البلاد وبناتها للانخراط في هذا المدارس على حساب التربية والتعليم المؤهلين بمنهج البلاد ومنطلقاته.(1) 2- المستكشفــون: المستكشفون الجغرافيون في البلاد الإسلامية وغيرها، حيث توفدهم الجامعات والجمعيات العلمية للنظر في قضايا جغرافية وطبيعية علمية تحتاج إلى الوقوف عليها من أمثال "ليفنجستون"،(2) و"ستانلي"(3) اللذين بعثا من الجمعية الجغرافية الملكية في بريطانيا في مهمة اكتشاف منابع النيل. وفي "يوغندا" وجد المستكشف "ستانلي" أن الملك "موتيسّا" وحاشيته قد اعتنقوا الإسلام منذ زمن بعيد - حيث سبق المسلمون إلى أفريقيا-،(1) فانزعج "ستانلي" عندما علم أن الحاكم قد اعتنق الإسلام، فسارع إلى إرسال خطاب إلىجريدة الديلي تلغراف، ونُشر الخطاب في 17/10/1292هـ- الموافق 15/11/1875م، وهو يعد نقطة تحوُّل في تاريخ الإسلام الحديث في شرق أفريقيا ووسطها. (2) وقد بدأ "ستانلي" الخطاب بذكر اعتناق الحاكم "موتيسا" الإسلام على يد تاجر سمَّاه "خميس بن عبدالله" ودعا إلى سرعة إرسال المنصرين والإرساليات، وخاصة من بريطانيا. وركز على عدم تأثير الوعظ وحده فحسب على شعب يوغندا الذكي. كما ركز على أن الرجل المطلوب هو المعلم النصراني الخبير المتمرس الذي يستطيع أن يعلم أفراد الشعب كيف يصبحون نصارى، فيعالج مرضاهم ويبني لهم المساكن، ويعلم الأهلين الزراعة، ويوجه يده إلى أي شيء "كما يفعل الملاح". مثل هذا الرجل سيصبح منقذ أفريقيا من الإسلام. وكان من تأثير هذا الخطاب أن جمعت التبرعات، ووصلت، في ذلك الوقت، إلى ألفين وأربع مئة [2400] جنيه إسترليني بعد أقلَّ من عام على نشر الخطاب في الجريدة الديلي تلغراف. وقد وزِّع المبلغ على الجمعيات التنصيرية، ومنه أرسلت الإرساليات التنصيرية، كما كان من تأثيره قيام جمعيات تنصيرية مرَّ ذكر شيء منها، مثل الإرسالية الجامعية لوسط أفريقيا وإرسالية كنيسة أسكوتلندة الرسمية. "وتوافد المنصرون على أفريقيا عقب بعثة ليفنجستون وستانلي سنة 1295هـ-1878م، فاقتسموا مناطقها مع اختلاف جنسياتهم بين ألماني واسكوتلندي وإنجليزي ومورافي، وهؤلاء انتشرت إرسالياتهم دون انقطاع من شرق أفريقية إلى أوسطها حتى الخرطوم والحبشة وبلاد الجلا. وجاءت هذه الإرساليات بنتائج حسنة".(1) والمستكشفون الجغرافيون يعدون نواةً أو مثالاً أو نموذجًا لاستغلال الأعمال العلمية في تحقيق أهداف غير علمية، مما يؤكد على الخلط بين الأهداف والمقاصد متى ما رأى المخلصون لانتماءاتهم أن ذلك يخدم هذه الانتماءات. وهكذا يمكن القول إن "الاهتمام الإرسالي في شرق أفريقيا -ككل- كان يإيحاء من د. ليفنجستون (رحلاته ومواقفه لمفهوم العبودية عند العرب)".(2) 3- التطبيــب: بعثات التطبيب التي يبدو من ظاهرها الإسهام في مجالات الإغاثة الطبية والصحية، تعمل على خدمة النصرانية والتنصير من خلال إنشاء المستشفيات والمستوصفات والعيادات المتنقلة. (3) وتعمد إلى تشغيل فتيات المجتمع ممرضات ومشرفات اجتماعيات يتمشين مع سياسة هذه المؤسسات الطبية. وقد يكنَّ من بنات المجتمع المتنصرات. وأقرب مثال حي على هذا جهود المنصرة الراحلة "تيريزا"، التي تُدعى بالأم، والحائزة على جائزة نوبل، وما تقوم به في مجال التطبيب من أنشطة على مستوى القارة الهندية بالتركيز، وعلى مستوى العالم الإسلامي بعامة، فقد تحركت في الآونة الأخيرة إلى شمال العراق، حيث محنة المسلمين الأكراد لاتزال قائمة وفيها من المجال الخصب لهذه الأعمال ما لا يخطر على قلب من لم يقف على المشكلة بنفسه. وكذلك البعثات الطبية في منطقة الخليج العربية التي قدمت إليها منذ سنة 1308هـ-1891م على يد الدكتور "شارون توماس"، ثم الدكتور "آرثر بينيت" بين سنة 1328هـ-1910م وسنة 1323هـ-1915م.(1) وتُستغَل البعثات الطبية التنصيرية -كما يقال- في إجراء التجارب حول مدى صلاحية الأدوية التي ترفض هيئات الأغذية والأدوية إجراءها على المجتمع الغربي، قبل أن تثبت فعاليتها في الأرانب أو الفئران، فيؤتى بها إلى المناطق التي تتركز فيها مستشفيات ومستوصفات ومختبرات تنصيرية، فتُجرى فيها التجارب على البشر، ثم يكتب بها تقارير إلى هيئات الأغذية والأدوية الغربية لإقرار استخدامها لتركَّب وتصنَّع ثم تصرف للناس. ومع أن هذا ليس هدفًا لهذه الجمعيات التنصيرية، ولم يكن في يومٍ من الأيام يدور في خلد المنصرين الأوائل، إلا أن بعض المنصرين المعاصرين قد لا يمانعون من مساعدة هذه الهيئات في القيام بالتجارب على البشر خارج الإطار الغربي.(1) ويظهر هذا واضحًا أثناء الحروب باستغلال الأسرى لهذه التجارب. 4- التدريب المهني: بعثات التعليم الصناعي والتدريب المهني تتم من خلال إنشاء المدارس ومراكز التدريب والورش للشباب والشابات، وتستقطب إليها الطاقات. وتخضع لبرامج نظرية فيها دروس حول الثقافة والمجتمع والدين والآداب المبسَّطة التي تنفذ من خلالها التعاليم النصرانية، وذلك يدخل في مفهوم المتطلبات النظرية لاجتياز الدورات التدريبية. ومن ذلك إسناد الإشراف على المراكز والمدارس المهنية المحلية إلى إدارات أجنبية، ويقوم على التدريب فيها منصرون بلباس الفنيين والمدربين.(2) 5- التعليم العالي: ومن وسائل التنصير بعثات التعليم العالي التي تنشئ الكليات والجامعات والمعاهد العليا في المجتمع المسلم. وأقرب مثال على ذلك وجود الجامعات الأمريكية والفرنسية التي ثبت أنها تعمل بين المسلمين في مجالات التنصير، ومجالات خدمة الوجهة الغربية، كالعمل الاستخباراتي لصالح الحكومات التي تدعم هذه المؤسسات التعليمية العليا. وتخرج الجامعات مجموعات كبيرة من أبناء المسلمين، يكون لها زمام المبادرة في شغل المناصب العليا ذات التأثير الإداري والثقافي والأدبي والسياسي، بل والديني أحيانًا. وتُلمَّع هذه المجموعة المتخرِّجة من الجامعات الأجنبية، وتُعطى الهالة الإعلامية، وتساند بعضها في المناسبات العلمية والثقافية والأدبية وغيرها. وهذه ظاهرة تستحق وحدها -في نظري- الدراسة. وفي هذا المجال يقول "بيزوز"الذي تسلَّم رئاسة الجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1369هـ-1948م، وكانت تُسمَّى حينئذٍ بالكلية البروتستاتية الإنجيلية: "لقد أدى البرهان إلى أن التعليم أثمن وسيلة استغلَّها المبشرون الأمريكيون في سعيهم لتنصير سورية ولبنان، ومن أجل ذلك تقرَّر أن يُختار رئيس الكلية البروتستاتية الإنجيلية من مبشري الإرسالية السورية".(1) ولا تخفي هذه الجامعات والمعاهد العليا نزعتها التنصيرية، إلا في الأوقات التي تجد فيها من المصلحة أن تسير مع تيار يسيطر على الساحة، كما سارت مع تيار القومية الذي شاع ردحًا من الزمن.(2) وكما يتوقع لها أن تسير مع تيار الصحوة التي تسميها بالأصولية لدراستها من منظور تنصيري استشراقي، يعمد إلى تشويهها ونعت أبنائها بالتطرف والإرهاب،(1) وإلى تشويه أفكار من يدرسها أو يعمد إلى تبني هذا التوجُّه. (2) ومن إسهامات بعثات التعليم اشتراكها في وضع المناهج التربوية لبعض المراحل العليا، بل ربما أسند إليها التخطيط الشامل للتعليم العالي على المدى البعيد. ويعين على هذه الوسيلة إضعاف المؤسسات العلمية والتعليمية الدينية في البلاد العربية والإسلامية، فقد تعرَّض الأزهر جامعًا وجامعة إلى حملات متتابعة أدت إلى إضعافه والعمل على تحويله إلى مؤسسة تعليمية (مدنية)، وتتعرض المؤسسات التعليمية الدينية الأخرى في مصر وفي غير مصر لمثل هذه الحملات التي يراد للمؤسسات التعليمية الغربية أن تحلَّ محلها في مناهجها وتخطيطها وطريقتها في التربية والتعليم. وتزداد الحملة على هذه المؤسسات في ضوء التطورات والأحداث التي حصلت للمنطقة في الآونة الأخيرة. وفي الفصل الرابع من كتاب وسائل التبشير بالنصرانية بين المسلمين يصِرُّ المنصِّر "فلمنج" على ضرورة "إنشاء مدرسة جامعة نصرانية تقوم الكنيسة بنفقاتها وتكون مشتركة بين الكنائس المسيحية في الدنيا على اختلاف مذاهبها لتتمكن من مزاحمة الأزهر بسهولة".(1) كما يقول "جاردنر" السكرتير العام لجمعية الطلبة النصارى: " إن من سداد الرأي منع جامعة الأزهر أن تنشر الطلبة المتخرجين فيها في جنوب أفريقيا اتباعًا لقرار مؤتمر التبشير العام، لأن الإسلام ينمو بلا انقطاع في كل أفريقيا".(2) 6- الإغـاثــــة: بعثات الإغاثة، حيث يهُبُّ الجميع رجالاً ونساءً، صغارًا وكبارًا يجلبون معهم المؤن والملابس والخيام وغيرها، ويقدمونها على أنها نعمة من عيسى بن مريم -عليهما السلام- سواء أكان هذا الإيحاء واضحًا بالرموز والشعارات، أم بطريق خفي يصلون إليه بحذر خوف الابتعاد عنهم, أو التحريض عليهم من قبل المتنبهين. ويحرص المنصرون على "دراسة أقوال المسلمين وعاداتهم، ثم التردد إليهم كي يأنسوا إليهم، فلايستغرب أن يستغل هؤلاء تدهور الحالة الاجتماعية والاقتصادية للمسلمين، وسقوط أغلبهم ضسحية الفقر المدقع، والخصاصة والمجاعة، والأوبئة، ليتصلوا بهم مقدمين لهم المساعدات، خاصة للنساء والأطفال".(3) ومعلوم الآن أنَّ ميزانيات المنصرين في هذا المجال تخطَّت المئة وثمانين مليار دولار سنويًا [180.000.000.000]، ولو حصرت ميزانيات الهيئات الإغاثية الإسلامية العاملة في الساحة لما وصلت - على حدِّ علمي- إلى مليار دولار [1.000.000.000] سنويًا.(1) أما عدد الجمعيات التنصيرية العاملة في الإغاثة بالمقارنة بالجمعيات الإسلامية العاملة في المجال نفسه فإنها تفوق كثيرًا, وبأعداد غير قابلة للمقارنة. ولو ضربنا مثالاً على ذلك في أرض الأفغان اليوم التي عانت من الحروب لأكثر من خمسٍ وعشرين سنة لوجدنا أنّ عدد الجمعيات الإسلامية العاملة في الإغاثة لا يزيد عن سبع جمعيات, في مقابل مئتين وخمسين جمعية إغاثة تنصيرية من مجموع ست مئة جمعية إغاثية. وقد أفادني بهذا بعض العاملين في مجال الإغاثة الإسلامية في الأرض الأفغانية. 7- المــــــرأة: استغلال المرأة المسلمة وغير المسلمة يُعدُّ من أبرز وسائل المنصرين. وللمرأة تأثيرها على الحياة كلها. ولها من القدرات ما يمكن استغلالها في تحقيق أهداف المنصرين وغير المنصرين. فهي أم ولها أثرها على أبنائها، وهي زوجة ولها أثرها على زوجها، وهي ابنة معرضة للتأثر، وهكذا. أما فيما يتعلق بالمرأة المسلمة فهناك محاولات تنصيرية تغريبية دؤوبة لإخراجها من سمْتها وحشمتها، بحجة التحضر والانطلاق، ثم إقحامها في أنشطة اجتماعية وسياسية ليست بالضرورة بحاجة إليها. وإذا تذكرنا أن من أهداف التنصير بذر الشكوك لدى المسلمين المصرين على التمسك بالإسلام، أدركنا أن من أخصب المجالات في تحقيق هذا الهدف الحديث عن موقف الإسلام من المرأة، فيما يتعلق بحقوقها وواجباتها من موازين ومنطلقات غربية وغريبة على طبيعة الإنسان بعامة، والمـرأة فيه بخاصة.(1) ولذا نجد مجموعة من الجمعيات النسائية التي تعمل على نقل المرأة من بيئة إسلامية إلى بيئة غربية خالصة من خلال التبرج والسفور، وخوض مجالات عملية مختلطة في الفن وفي الثقافة وفي الآداب، وفي الأعمال المهنية والحرفية الأخرى، مما يدخل في محاولات التغريب التي تتعرض لها المجتمعات المسلمة.(2) وأقرب مثال على هذا جهود "قاسم أمين",(3) و"هدى شعراوي"، ثم جهود "نوال السعداوي" المستمرة في تغريب المرأة المسلمة امتدادًا للمحاولات السابقة على يد "قاسم أمين" وغيره من دعاة التغريب، تحت اسم "تحرير المرأة". والظاهر أن تلميذات "نوال السعداوي" في تزايد.(1) والحديث عن المرأة دائمًا فيه حساسية، ويغلب عليه الجانب الإعلامي، لاسيما الصحفي، والطرح السطحي والعاطفي، وترفع فيه الشعارات، ويُساء الفهم حول بعض الطروحات، كما قد يفهم من هذا الحديث، من أن المرأة لاتصلح للأعمال الفنية والثقافية والأدبية والأعمال المهنية والحرفية. وليس الأمر كذلك، إذ الموضوع يتركز حول استغلال هذه المجالات في الخروج عن السمت المراد من المرأة، كما هو مراد من الرجل على حدٍ سواء، وإن اختلفت الطرق. تقول المبشرات المشتركات في مؤتمر القاهرة سنة 1906م: "... لا سبيل إلا بجلب النساء المسلمات إلى المسيح. إن عدد النساء المسلمات عظيم جدًا لا يقل عن مائة مليون، فكل نشاط مجدٍ للوصول إليهن يجب أن يكون أوسع مما بُذل إلى الآن. نحن لا نقترح إيجاد منظمات جديدة، ولكن نطلب من كل هيئة تبشيرية أن تحمل فرعها النسائي على العمل واضعة نصب عينيها هدفًا جديدًا هو الوصول إلى نساء العالم المسلمات كلهن في هذا الجيل".(2) أما فيما يتعلق بالمرأة غير المسلمة فهي بحكم ثقافتها المتسمة بالانطلاق لديها القابلية لأن تُستغلَّ في جميع المجالات. وإذا أغفلنا جانب التعميم استطعنا القول إن بعض النساء على استعداد لخوض غمار الأعمال الميدانية و[الترفيهية] مادامت تحقق بها أهدافًا تنصيرية، إما بتغريرها بأن هذا يرضي المسيح عيسى بن مـريـم ــ عليهما السلام ــ ، وإما بعلمها وإصرارها المسبق بأن هذا ما ينبغي أن يكون. ولا تمثل الأعمال الترفيهية نسبة عالية في انخراط المرأة في حملات التنصير، لأن هذا أمر مكشوف ورخيص، ولكنه مع هذا يشيع في الحروب بين الجنود والأسرى المراد تنصيرهم.(1) والذي يمثل النسبة العالية في مجالات التنصير باستغلال المرأة هو عملها بكل جهد وقوة للدخول إلى مجالات النساء المستهدفات،(2) فتجتمع بهن وتقدم لهن الخدمات الصحية والاجتماعية والتربوية والثقافية الدقيقة والخاصة بشؤون المرأة فيما يتعلق بعلاقاتها الأسْرية وحملها وتربيتها لأولادها.(3) ويلقى هذا الاتجاه القبول ويرسخ في الأذهان. ولذا ينبغي إعطاؤه الاهتمام، بدلاً من أن يذهب التصور إلى استغلال المرأة في جوانب نفعية شهوانية، قد لا تنقاد إليها جميع النساء، كما هو سائر الآن. كما ينبغي تعميق النظرة إلى أثر المرأة في هذه الحملات من خلال قدرتها على التأثير وقوتها فيه، وقدرتها أيضًا على التأثر بما حولها ومن حولها.(4) ولا تزال هذه الوسيلة من الوسائل المعتمدة في "تصيُّد" الآخرين، ليس على مستوى التنصير فحسب، بل على مستويات سياسية واستخبارية، وتمارسها اليوم الدولة الصهيونية في فلسطين المحتلة مع الشباب المحيطين في هذه الدولة. 8- العــمـَّال: استغلال العمال النصارى في المجتمعات المسلمة على مختلف مستوياتهم المهنية وتخصصاتهم من الأطباء والخبراء والممرضات والصيادلة والعمال الفنيين والحرفيين. وتتضح هذه الوسيلة جيدًا في مجتمع الخليج العربي، حيث تفد مئات الآلاف من الطاقات البشرية الماهرة وغير الماهرة وغير المدرَّبة.(1) ويفد مع هؤلاء العمال المنصرون بثياب الطبيب والممرضة والفني والعامل. ويعملون على "تثبيت" إخوانهم النصارى و"حمايتهم" من الإسلام بإقامة الشعائر لهم، سرًّا في بعض المناطق، وعلنًآ في مناطق أخرى، كما يعملون على تنصير المسلمين من الشباب والشابات ورجال الأعمال الذين يتسم بعضهم، أو جزء كبير منهم، بالأمية الثقافية وعدم القدرة على إدراك خطر هؤلاء، كما يتسم بعضهم بعدم المبالاة ما دام هؤلاء القادمون من "الخارج" يقدمون جوًَّا ترفيهيًا ينعكس إيجابًا على الإنتاج والعمل!! ويتضح هذا جليًا في المناسبات الدينية والوطنية للبلدان الممثلة بعمالها في المنطقة، حيث يدعى الشباب المسلمون إلى هذه المناسبات التي تدور فيها أنواع من الإغراءات التي تنطلي على بعض الشباب ذوي السطحية في التفكير، أو أولئك الذين لديهم القابلية للتأثر نتيجة للانبهار بمقومات حضارية مادية. وكانت هذه الوسيلة من الموضوعات التي ركَّز عليها مؤتمر المنصرين [السادس] الذي عقد في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1400هـ الموافق سنة 1980م، حيث أكد أحد رؤساء الجمعيات التنصيرية على ذلك بقولـه: "إن الباب أصبح مفتوحًا لدخول النصرانية إلى البلاد المغلقة، وذلك من خلال الشركات الوطنية المتعددة، فهناك فرص لا حدود لها في هذا المجال بالنسبة للمنصرين، حيث الحاجة الملحة إلى مهماتهم لتطوير البلاد".(1) وبالمتابعة من قبل المعنيين بالأمر يعثر على أماكن للعبادة تُهيّأ للنصارى سرًَّا في بعض أجزاء من منطقة الخليج العربية، وعلنًا في أجزاء أخرى من المنطقة، ويعمل المخلصون على تبليغ السلطات المعنية لتتخذ الإجراءات الضرورية التي تتفق مع عقود العمل التي يوقع عليها هؤلاء.(2) والمسألة هذه مستمرة، إذ تعوَّد المنصرون في هذه المناطق عدم الاستسلام للجهات المتابعة أو للعقبات التي تعترض طريقهم، بل هي تُعدُّ مؤشِّرًا على أن هناك عملاً قائمًا منهم يستحق المقاومة.(3) 9- البعثات الدراسيـة: استغلال البعثات الدراسية للطلبة المسلمين خارج البلاد الإسلامية. وقد اقتضت الرغبة في مواكبة السير الحضاري وجود مجموعات من أبناء المسلمين في أوروبا وأمريكا لتلقّي التعليم والخبرات، مبعوثين من حكوماتهم ومؤسساتهم داخل بلادهم. وتتعرض هذه الفئة من الطلبة إلى حملات قوية من المنصرين عن طريق مكاتب الطلبة الأجانب في الجامعات. حتى الجامعات المستقلة (غير المنتمية) في الغرب تقوم بهذه الأنواع من النشاط. وتضع برامج للطلبة من زيارات للعائلات وأوجه نشاط اجتماعية من حفلات ودعوات إلى الكنيسة أو ما يلحق بالكنيسة من الأفنية والملاعب، لاسيما في المناسبات الدينية والوطنية كذلك.(1) وفي خارج المدن الجامعية يتلقَّف المنصرون الطلبة المسلمين بعد التعرف على عنواناتهم، والوصول إليهم، وإبداء الرغبة في خدمتهم، والوقوف إلى جانبهم والتعاطف معهم. ويتعرض الطلبة كذلك لألوان من المحاولات مثل إرسال المطبوعات، والاتصال بالهاتف، والرسائل الهاتفية "الفاكس"، والاتصال الشخصي المباشر، بموعد ودون موعد. ويكثر هذا الأسلوب لدى جماعة " شهود يهوه" التي تسعى إلى مواجهة انتشار الإسلام في الغرب.(1) وتُستغل المناسبات الدينية والوطنية في محاولة الوصول إليهم. وهناك قصص حصلت نُشر بعضها تبرز ألوانًآ من المحاولات، وصلت في نهايتها إلى الحوار المباشر، بعدما تمكن الطالب -نسبيًا- من اللغة، ومن القدرة على النقاش. وقد تمكن بعض الطلاب المسلمين من إقامة حوارات مفيدة، أسهمت في إيضاح المبهمات لدى أولئك المنصرين. وكان تأثير أولئك الطلبة أقوى - ولله الحمد- من تأثير المنصرين في الطلبة، على الرغم من الخوف من أن يكون العكس. ويُستغل ضعف بعض الطلبة المسلمين ماديًا، حيث تتبنى الكنيسة أو جمعية مدعومة من الكنيسة دعم هؤلاء الضعفاء من الطلبة، وتعمل على إيجاد فجوة بين الموسرين والمعسرين من الطلبة المسلمين، تصل إلى حد الضغينة والحسد وترسيخ هذه المفهومات في الأذهان، حتى لا تقوم بين المسلمين من الطلبة رابطة قوية.(2) كما يستغل ضيق بعض الطلبة المسلمين لعدم قدرتهم على العودة المباشرة إلى بلادهم، بسبب سوء الأحوال السياسية والاقتصادية، والبحث عن إقامة نظامية في البلاد الغربية التي تتم غالبًا عن طريق الزواج بمواطنة من البلد، إما أن تكون ذات ميول نصرانية قوية، أو ينشأ عندها الميول عندما تدرك أنها اقترنت برجل يختلف عنها دينًا وثقافة. وتكون نتيجة هذا الزواج إنجاب الأطفال، ثم يحصل عادة فراق، فتكون رعاية الأطفال، نظاما، لأمهم، فتأخذهم إلى الكنيسة اقتناعًا أو قصدًا إلىكيد الأب. ويستمر الصراع على هذه الحال. وهذا على افضل الأحوال. وربما يرضى الزوج بأخذ أولاده إلى الكنيسة، بل وذهابه هو معهم والانخراط في أوجه نشاطها، ولو لم يتم الإعلان الرسمي (التعميد) عن التنصُّر. وفي أحوال أخرى تسلم الزوجة وتستقيم الأمور، عدا المضايقات من الأهل والأقارب من جانب الزوجة على الغالب. وذكري لهذه الحالات قائم على معايشتها. تقول آمال قرامي في معرض حديثها عن أسباب تنصُّـر المسلم: "ولا مناص من القول إن البعثات الدراسية إلى الخارج يسرت عملية اندماج المسلم في المدنية الغربية، ومكنته من الاطلاع على ديانات مختلفة وحضارات متعددة، وأكسبته شيئًا من أساليب الحياة الغربية، ومن الاتجاه الغربي في التفكير والعلم والسلوك وما إلى ذلك. ومن ثمة صار "الارتداد" ممكنًا، خاصة إذا علمنا أن المبشرين كانوا حريصين على تتبع أحوال هؤلاء الطلبة، واستغلال حالة الوحدة والعوز التي يعاني منها أكثرهم، لفائدة تحقيق أغراض التبشير".(1) 10- الاستشــراق: استغلال المؤسسات العلمية التي تقدم دراسات عن العالم الإسلامي والعرب والشرق الأوسط. وهذه الظاهرة نشأت على أيدي كهنة وخدم للكنيسة، وأخذت مصطلح الاستشراق الذي يتولّى الجانب العلمي في نزع سلطان الدين الإسلامي من النفوس. وطلائع المستشرقين انطلقوا من الكنائس والأديرة.(1) وإسهاماتهم موجهة إلى المفكرين والمطلعين والمثقفين.(2)وهم لايدعون صراحة إلى النصرانية، بل إنهم يتهربون من إلصاق النصرانية بهم، ولكنهم يحققون أهداف المنصرين في حملاتهم ضد الإسلام التي كانت أكثر صراحة مما هي عليه الآن،(3) وكذلك في منهجهم المتأخر القائم على التخصص، ونبذ الأحكام العامة والسريعة، التي بدأها أسلافهم، التي كانوا فيها صريحين في محاربة الإسلام ونبي الإسلام - عليه الصلاة والسلام -.(4) وليس كل المستشرقين المتأخرين على هذه الشاكلة،(5) ولكن لا تزال طائفة منهم تسير على المنهج الذي رسمه لهم أسلافهم مما يخدم المعتقد النصراني من خلال دراساتهم للإسلام والعلوم والثقافة الإسلامية وتراث المسلمين.(6) وبقدر ما يخدم المستشرقون انتماءاتهم الدينية والثقافية ينالون الدعم المعنوي والمادي. وإذا ما مال أحدهم إلى الإنصاف وجد عنتًا وتنكُّرًا من الجمعيات والمؤسسات المهتمة بدراسة الإسلام والمسلمين في المجتمع الغربي.(2) 11- اليهــــود: عمل اليهود على مؤازرة التنصير عندما تحولت النصرانية على يد "شاؤول" أو "بولس" إلى خليط من الثقافات السابقة عليها، بما فيها اليهودية المحرّفة,(3) فكان هذا التآزر بين اليهودية والنصرانية في المجتمعات المسلمة وغير المسلمة يبرز بوضوح عندما تحتدم المشكلات المحلية أو الإقليمية، ويكون لإحدى النحلتين ضلع فيها، كما برز في الحرب الأهلية اللبنانية، وكما يبرز في حرب السودان ضد المتمردين النصارى في الجنوب.(4) وكما برز كذلك في الحرب على المسلمين في البوسنة والهرسك، وفي كوسوفا الألبانية. وتعمل المؤسسات اليهودية داخل فلسطين المحتلة وخارجها على تعضيد التنصير وتحقيق بعض أهدافه التي تتفق مع المنطلقات والمصالح اليهودية الراسخة في العقيدة من أن الآخرين خدم لليهود وعالة عليهم، كما هو مصرح به في بروتوكولات حكماء صهيون، يقول عجّاج نويهض مشيرًا إلى أساليب اليهود في ترسيخ وجودهم وتأثيرهم: "حتى إذا انطلقوا بعد الثورة الفرنسية يضعون مخططًآ قائمًا على أساسين، كان هذان الأساسان هما: 1- عقيدة أنهم شعب الله المختار. 2- عقيدة أن هذا الشعب المختار يستطيع أن يفسد العالم ويعطله ويخرّبه ليقيم على أنقاضه ملكًا يهوديا داوديا، يتفرد بحكم العالم بأسره، وما الأمم والشعوب إلا حيوانات متخلفة العقل والذهن والفهم... أما عقيدتهم أنهم شعب مختار فالإشارة إليها وإلى الماسونية شيء كثير في البروتوكولات. وأما قدرتهم على أن يصلوا إلى نهاية مبتغاهم، فنحسب أن القطار قد فاتهم؛ ولكن قد يطول بالعالم الأمريكي والبريطاني الأمد وهو مخدر تخديرًا يهوديا، وأهم عوامل هذا التخدير ليس الذهب والمرأة والجاسوسية، بل التنصر ظاهريًا والبقاء على اليهودية باطنًا. وقد أكثر اليهود من استعمال هذه الخدعة بعد طردهم من البرتغال وإسبانيا وقيام مجلس التفتيش عليهم بالعذاب المعلوم. وهكذا كان إسلام اليهود الذين جاؤوا المملكة العثمانية بعد القرن الخامس عشر فأسلموا وسمُّوا بالدونمة أي المهتدين." (1) وتسعى المؤسسات اليهودية كذلك من خلال إقحام الإرساليات إلى التأثير على العلاقات بين المسلمين والنصارى العرب في عدة محاور، ومنها رفض الوجود اليهودي في فلسطين المحتلة.(2) وقد ظهر في صفوف المنصرين يهود منصرون، وعمل بعضهم في المنطقة العربية. ويذكر أن "السموءل (صاموئيل) زويمر" وعائلته كانوا يهودًا، وأن "زويمر" نفسه مات على اليهودية.(2) وهو يعد من أبرز المنصرين في المنطقة العربية، ويكثر ذكر اسمه عند أي حديث عن التنصير في المجتمع العربي. وقد آزره في هذا فريق من المنصرين الذين كانوا يعملون معه في المنطقة نفسها، وفيهم أخوه "بيتر" وزوجته "إي. لو زويمر".(3) ويخفي اليهود انتماءاتهم اليهودية وينخرطون في أعمال دينية قد تصل أحيانًا إلى التظاهر بالإسلام قصدًا إلى الإسهام في مصادرته، والتظاهر بالنصرانية من باب أولى، نظرًا لما للنصارى من قبول في المجتمع المسلم أكثر من قبولـه لليهود. وهـذا يحقق لليهود أهدافًا أبرزها رسوخ اليهود في فلسطين المحتلة مدة أطول مما لو جابههم المسلمون بإسلامهم. 12- المنظمات الدولية: الأصل في المنظمات الدولية على اختلاف اهتماماتها وتخصصاتها أن تلزم الحياد فيما يتعلق بالأديان والثقافات، وأن تؤدي مهماتها المناطة بها، دون النظر إلى استغلال نفوذها سياسيًا واقتصاديًا لتحقيق أغراض سياسية وثقافية لأعضاء في هذه المنظمات على حساب الأعضاء الآخرين. وواقع الحال أن الأحداث تُثبت بجلاء أكثر مع الأيام أن المنظمات الدولية على اختلاف مهماتها تخدم النظرة الغربية للعالم الآخر. وأنها تسير حسب التوجيهات الغربية في التعامل مع الآخرين.(1) وقد يكون من الأسباب الظاهرة أن الدول الغربية بعامة هي التي تدعم هذه المنظمات ماليًا, وتتحمل جزءًا كبيرًا من ميزانياتها، وتتبنى مشروعاتها، ولذا فإن الدول التي تدعم أكثر تنال تأثيرًا أكبر. وقد تناقلت الأخبار وجود أسلحة داخل أكياس القمح المرسلة من منظمة إغاثية دولية إلىجنوب السودان، حيث المتمردون بقيادة "جون جرنج" ورفاقه، ومن انشقَّ عنه أخيرًا. وكذا الحال في المجتمعات المسلمة الأخرى. وإذا لم تكن الصورة بهذا الوضوح فإن التوجُّه لهذه المنظمات يُرسِّخ الفكرة الغربية في كل أوجه النشاط. ومن ذلك أوجه نشاط المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، ومنظمة الصحة العالمية، وجمعية رعاية الطفولة (SOS)، وغيرها من المنظمات التي تسعى إلى ترسيخ الفكرة الغربية على جميع أوجه النشاط، أو لنَقُلْ تنظر إلى جميع المجتمعات بنظرة غربية لا تتفق بالضرورة مع هذه المجتمعات التي تخدمها المنظمات الدولية. ولعل هذا يدخل في باب "لكل شيء ثمن". ولا يغيب عن البال ممارسات المنظمات الدولية السياسية وغيرها تجاه المسلمين في البوسنة والهرسك، والتردد الواضح في اتخاذ قرارات حاسمة لنصرة المظلوم، على غرار ما حدث في منطقة الخليج العربية في الآونة الأخيرة، عندما غزت العراق جارتها الكويت في 11/1/1411هـ الموافق 2/8/1990م، وعلى غرار ما يحدث في مواقع أخرى من العالم الإسلامي الذي يتعرض لويلات الحروب, ويقول في هذا "جورج ليونارد كاري" رئيس الكنيسة الإنجيلية في بريطانيا، في محاضرة ألقاها في جامعة الأزهر في "تشرين الأول 1995م": "وهنا أشعر أنه عليَّ أن أشير صراحة إلى الصراع في يوغسلافيا السابقة، فقد شاهدنا بهلع شديد المد المقيت للصراع العرقي في البوسنة والهرسك، والتطهير العرقي الشائن، وجرائم العنف التي اقترفت بحق النساء والأطفال، وتدمير المساجد وأماكن العبادة، وإنني أتفهم مخاوف المسلمين من أن يكون الغرض من ذلك هو محو الإسلام من أوروبا التي استقر فيها".(1) 13- الترجمــــة: وتعد الترجمة من الوسائل المهمة لتحقيق أهداف التنصير والمنصرين، إذ انطلقت ترجمة معاني القرآن الكريم في القرن السادس الهجري، منتصف القرن الثاني عشر الميلادي (1143م) لأغراض تنصيرية، ورعتها الكنيسة والأديرة على يد الراهب الكلوني" آبت" رئيس الأديرة الذي بدأ الفكرة سنة 1141م، حيث رحل من فرنسا إلى إسبانيا، وكلف "كتنفريز" في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللاتينية.(1) إلا أنَّ الترجمة ظلّت حبيسة الدير بجنوب فرنسا حتى سنة 1543م.(2) ثم انطلقت الترجمات للتراث العربي الإسلامي لخدمة هذه الأغراض التنصيرية، حتى مر الزمان. وتلاشى الدافع التنصيري تدريجيًا من المنطلقات الاستشراقية، على ما مر ذكره في الفقرة العاشرة من هذا الفصل.(3) وفي المقابل تكشفت ترجمة الإنجيل إلى اللغة العربية "من خلال الإرساليات في القرن الثامن عشر، ولا تزال الترجمة الحالية من نتاج جهود علماء ومترجمي بلاد الشام".(4) وتبع ذلك ترجمة التراث الكنسي إلى اللغة العربية.(5) وتؤكد "آمال قرامي" في معرض استعراضها لأسباب تنصُّر المسلم على جانب ترجمة الإنجيل، حيث تقول: " لقد حرضت الإرساليات التبشيرية على ترجمة " الأناجيل" إلى عدة لغات، حتى لا ينفر المسلم من قراءتها. ففي المغرب استطاعت "جماعة الأناجيل البريطانية" أن توزع نسخًا كثيرة من الأناجيل المترجمة إلى اللغة العربية والبربرية، وعرف التبشير البروتستاني بفضل هذه الجماعة دفعًا في المنطقة بين سنتي 1883هـ-1889م".(1) 14- التبـادل الثقافي: التبادل الثقافي يعدُّ إحدى الوسائل المهمة والمختفية للتنصير. وتقوم معاهدات واتفاقيات ثقافية بين بلاد المسلمين والبلاد الأجنبية، يكون نصيب المسلمين منها غالبًا عرض " الفلوكلور الشعبي" من رقص وغناء ولباس الذكور والإناث، وأكلات شعبية وصناعات يدوية ونحوها، وقد يسمح بتوزيع كتيبات ونشرات وشرائح وأفلام عن البلاد العارضة ونهضتها المادية. ويكون نصيب البلاد الأجنبية إقامة المراكز الثقافية الدائمة، واستقطاب رجال الفكر والثقافة من أبناء البلاد نفسها، وجلب المحاضرين من مفكرين وأساتذة جامعات ورجال سياسة وقانون، وكل ذلك قائم على استراتيجية واضحة وخطط محددة قابلة للتنفيذ على المدى البعيد، مما يدخل في مفهوم" نظرية المؤامرة" التي نحاول تجاهلها نظريًا، ولا نملك عمليًا إلا الإقرار بها. وتعمل هذه المراكز على إيجاد قوائم للمراسلة، وتتابع ذوي التأثير على المجتمع وتزودهم بالمطبوعات والنشرات والأشرطة المسموعة والمرئية المسموعة، وتدعوهم للمناسبات الاجتماعية والوطنية، وبعضهم للدينية النصرانية التي تمر على بلادهم. وكل هذه وسائل تتغير وتتبدل وتطوَّع بحسب ما يقتضيه المقام، ويتناسب مع الأشخاص المستهدفين. ولعل معظم أوجه النشاط الفني والرياضي تدخل في المفهوم العام للتبادل الثقافي، وهناك خطوات عملية فنية ورياضية واضحة فيها رائحة التنصير. وتستغل هذه المعاهدات الثقافية للوصول إلى أوساط الشباب من خلال أوجه النشاط الرياضية الدولية والإقليمية والمحلية، توزع فيها النشرات والأشرطة والكتاب "المقدس". وتحشد الميزانيات الهائلة لهذه الوسيلة. ويظهر هذا بجلاء في المباريات الدولية، حيث يحضرها مئات الآلاف ويشاهدها مئات الملايين. حتى لو لم يصل الأمر إلى هذا التصور الواضح، فإن استغلال هذه المباريات بالتنصير لا يمكن تجاهله، وظهر هذا واضحًا في كأس العالم لعام 1423هـ/2002م في اليابان وكوريا، حيث ظهر ذلك جليًا على الفنائل التي لبسها اللاعبون تحت فنيلة الرياضة. وأبرزوها لآلات التصوير "الكاميرات"، وركزت عليها بعض هذه الآلات بصورة جلية، ليس فيها بالضرورة خبث، ولكن فيها تعاطف مع هؤلاء الذين ربطوا الفوز في المنافسات الرياضية بعيسى بن مريم - عليهما السلام-. هذا عدا عن الوسائل الأخرى التي اتضحت لمن تابعوا هذا النشاط الدوري، ولمن حضروه في كل من اليابان وكوريا، وسيظهر كذلك مع مايأتي من مسابقات رياضية مختلفة. 15- التجـارة والاقتصـاد: للتجار ورجال الأعمال جهود واضحة في نقل الأفكار. ونحن نعلم أن الإسلام قد انتشر في آسيا وأفريقيا عن طريق التجارة بالدرجة الأولى. والتجار ورجال الأعمال الغربيون يحملون معهم أفكارهم إلى بلاد المسلمين، ويعملون على خدمة الكنيسة في مجالهم، دون وضوح بارز. وهذا ما فعله الفرنسيون في لبنان وسورية، والمغرب العربي، وجنوب الصحراء الكبرى، في البلاد التي احتلوها. يقول "أنيس صايغ" في كتابه لبنان الطائفي: "كانت فرنسا تعتبر نفسها حامية المسيحيين في الشرق، وخاصة الموارنة في لبنان، ودعمت فرنسا هذه السياسة المستترة بثوب ديني يتعهد العلاقات التجارية والإرساليات التبشيرية بين لبنان وفرنسا. فقد ضاعفت فرنسا عنايتها بأمور التجارة، وأرسلت القناصل وأسست المكاتب والمراكز الثابتة لتسهيل أمورها".(1) ولا تزال هذه الوسيلة سارية المفعول، لاسيما مع إصرار معظم الدول الإسلامية على الانخراط في ركب الحضارة المادية الحديثة، في الوقت الذي لاتزال تعاني فيه من نقص في الخبرات البشرية المحلية والإمكانات المادية، فتضطر إلى الاقتراض وجلب الشركات الأجنبية بعمالها وإدارتها الأجنبية. وربما استخدمت الشركات بعض العاملين المحليين، وأملت عليهم أنماطها الإدارية، ودخلت من خلالها إلى ما تريد. وليس جديدًا على الساحة التجارية أن يأتي بعض الذين يخدمون أغراضًا دينية أو سياسية بثياب التاجر. وهذه الوسيلة تثبت مع الوقت جدواها، وكذلك بعدها عن الاكتشاف، إذ يشيع بين الناس أن العلاقات في هذا المجال مع الآخرين تجارية لا تتعدَّى التبادل التجاري والمصالح التجارية. وأظن في هذا التفكير شيئًا غير يسير من السذاجة والسطحية. فالآخرون يخدمون مصالح بلادهم الاستعمارية والدينية كما يخدمونها اقتصاديا، ويقدمون هذه الخدمات من باب الولاء للبلاد وساستها وقادتها الروحيين. ولعل أقرب مثال ما قام به رجل الأعمال اليهودي من الولايات المتحدة الأمريكية "آرموند هامر" في الاتحاد السوفييتي سابقًا، والجمهوريات الروسية الحالية، من عمل على توجيهها الوجهة الغربية في الجانب السياسي والثقافي والديني كذلك، رغم يهوديته. وقد نجح في جهوده، ورأى نتائجها قبل رحيله. 16- الإعــــــلام والاتصالات: وسائل الإعلام من إذاعة وصحافة وتليفزيون وسينما ومسرح، بالإضافة إلى وسائل الاتصال ونقل المعلومات، كلها تسهم في حملات التنصير، وهي من الوسائل المختفية. أما الوسائل الإعلامية الصريحة فهذه موجودة وكثيرة وتوجه إلى عدة لغات، وتغطي عددًا كبيرًا من ساعات البث.(1) وقد بدأت الإذاعات تدخل في الشبكة الدولية "الإنترنت"، ولا يستبعد، بأي حال، أن تستغل في التنصير، لأنها وسيلة فاعلة وقابلة للانتشار السريع، والوصول إلى آماد بعيدة. يقول أحمد عبد الرحيم السايح: " إنّ المجتمعات الإسلامية تعاني من التسلط البشري في الصحافة وسائر وسائل الإعلام ووكالات الأنباء, وتعاني في البيت وفي الشارع وفي أمور كثيرة, قد يتعرفها البعض ويسكت, وما أكثر الساكتين؛ لأنهم لا يملكون أن يقولوا شيئًا".(2) أما الوسائل الإعلامية غير الصريحة فتأتي ضمن المسلسلات والأفلام والبرامج الوثائقية والتعليمية، التي تطبع دائمًا بنمط العيش الغربي بما فيه من ثقافة وممارسات دينية لا تخلو منها المصطلحات والأمثال والسلوكيات. حتى أفلام الصور المتحركة (الكرتون) الموجهة للأطفال تصبغ بهذه الصبغة، التي تشعر المتابع أحيانًا أنها مقصودة متعمدة. وتعمد إلى تأليف المشاهدين والمستمعين والقرَّاء على الثقافة الغربية، التي لم تستطع التخلص من التأثير الديني عليها في معظم سلوكياتها ومُثلها ومبادئها. بل ربما لا تريد التخلص من هذا التأثير الديني، وتسعى إلى تعميقه وترسيخه مادام سيحقق تبعية ثقافية تقود إلى تبعيات أخرى. ويقول "فريد د. أُكوورد" في بحث له عن "الإرسال الإذاعي الحالي الموجَّه للمسلمين": "إن اللغة الإنجليزية مهمة لكل عربي يرغب في متابعة تعليمه أو يودُّ الهجرة، ولقد كتبنا إلى هيئة الإذاعة البريطانية التي لديها سلسلة ممتازة من برامج تعليم اللغة الإنجليزية للناطقين بالعربية. ولقد منحتنا السلسلة وأذنت لنا بتقديمها عبر إذاعتنا، وقد أجرينا بالفعل تعديلات على السلسلة استخدمناها "كطُعْم"، وفي الختام كنا نتوجه بالسؤال عما إذا كان المستمع يرغب في نسخة مجانية من كتاب يحتوي على العربية والإنجليزية جنبًا إلى جنب، وعندئذ نرسل لـه نسخة من الإنجيل بالعربية والإنجليزية".(1) وتعد القاهرة وبيروت ثم الخرطوم من أكبر المدن في المحيط الإسلامي التي تسهم في هذه الوسيلة الإعلامية من خلال استغلال الصحف المأجورة في أكثر الأحيان، وغير المأجورة في أحوال نادرة. هذا عدا الصحف ووسائل الإعلام الأخرى والإذاعات الصريحة التي تنشر التنصير.(2) وهناك عددٌ من القنوات الفضائية التنصيرية انتشرت في الساحة العربية والإسلامية, لا يمكن تجاهلها. والإعلام والاتصالات يعد من الوسائل الحديثة غير التقليدية، لاسيما في مجالات استغلال تقنية الاتصال وتقنية المعلومات، بحيث يمكن من خلال استغلال البث المباشر بث المواعظ والخطب والبرامج التنصيرية الموجَّهة، التي يمكن تقنيًا مشاهدتها في جميع المجتمعات التي وصلت إلى مستوىً تقني متقدِّم. ولا يقتصر الأمر على هذه المجتمعات، بل تنقل التقنية إلى المجتمعات الأقل تقدُّمًا من خلال إحداث محطات محلية (إف إم.) (FM) صغيرة تنصيرية، تبث هذه البرامج الإعلامية. وكذا الحال مع الأجهزة الشخصية العارضة للأفلام والبرامج الجاهزة كأجهزة (الفيديو) وغيرها من الوسائل الناقلة للمعلومات، بالإضافة إلى استغلال تقنية المعلومات الحديثة مثل البريد الإليكتروني، وشبكات المعلومات القابلة للاشتراك الشخصي، مثل الشبكة الدولية "الإنترنت". وبالتالي " تعد وسائل الإعلام من أهم العوامل التي ساهمت في التعريف بالمسيحية وإظهارها في صورة مشوِّقة. وقد آمن المبشرون بدور القنوات الإعلامية فأحكموا استغلالها حتى نجحوا في استمالة عدد من المسلمين".(1) 17- المنـح الدراسيــة: المنح الدراسية وسيلة من وسائل التنصير المختفي، ذلك أن بعض المنظمات التنصيرية تختار من النجباء ومن يتبين عليهم قسط عالٍ من الذكاء، وتسهل لهم مواصلة دراساتهم الجامعية والعليا في الغرب، وترعاهم بالمنح المباشرة، أو بإعطائهم الإعانات المقطوعة، أو الإسهام في بعثهم إلى الجامعات والمعاهد العليا. ومن جهة أخرى يجد العائدون من البعثات الخارجية إلى البلاد الإسلامية المجالات أمامهم مفتوحة في كثير من هذه البلدان، لما يتوقّع منهم من الإسهام في تنمية البلاد، بجهودهم العلمية التي اكتسبوها من البعثات، كما هو مضمون حديث "جاردنر" السابق ذكره.(1) ومن هذا المنطلق تقوم محاولات للتقليل من إعطاء المنح الدراسية في الجامعات العربية والإسلامية، لاسيما في البلاد العربية الغنية بمؤسساتها العلمية والتعليمية ومواردها الطبيعية. كما تقوم المحاولات للحد من انتشار تأثير هذه المؤسسات التعليمية من خلال التضييق على المتخرجين منها، عندما يعودون إلى بلادهم، فلا يجدون عملاً يرتزقون بواسطته. 18- التنميـــة: ومن الوسائل الحديثة إسهام الجمعيات التنصيرية في مجالات التنمية تحت شعار "من الكنيسة إلى المجتمعات". وقد أنشئت لهذا الصدد لجان مثل هيئة مجلس الكنائس للإسهام في أعمال التنمية، "وتعمل هذه الهيئة في حقول التنمية المتنوعة المختلفة، مثل إقامة القرى الزراعية، وعقد الدورات التدريبية المهنية لمختلف التخصصات التقنية والفنية، وتقديم القروض المباشرة إلى الفلاحين عن طريق مؤسسات (وحدات الإقراض) ومشروعات التهجير الداخلي للسكان وغير ذلك".(2) وتسهم هذه الهيئات إسهامًا مباشرًا في هذه المجالات، ومن خلال هذا الإسهام تسعى الجمعيات إلى تحقيق بعض الأهداف. ولو لم يكن إلا الإسهام هدفًا لكان كافيًا في إشعار المجتمعات أن المنصرين إنما يسعون إلى رخاء المجتمعات، وإخراجها من أسْر التخلف والجهل وقلة الإمكانات. هذا عدا عما يصحب مدة الإسهام من اتخاذ وسائل أخرى تكون مقاومتها غير ميسورة، إذا ما أُشعر الأهالي أو الحكومات أن التصدي لها فيه مدعاة إلى التخلي عن الإسهام في مجالات التنمية بمشروعاتها المختلفة. وقد تعرَّضت السودان وأفغانستان وإندونيسيا إلى ضغوط رسمية دولية عندما سعت إلى إخراج بعض المؤسسات التنصيرية من السودان. وكانت الضغوط صريحة بقطع الإعانات والقروض إذا ما تمَّ الإبعاد. 19- التقويـم المستمـر: السعي دائمًا إلى تقويم الأساليب, والاستمرار في المؤثر منها، وطرح تلك التي عفا عليها الزمن. وكان هذا من أهم الأهداف التي جاء بها مؤتمر كلورادو بالولايات المتحدة الأمريكية الذي عقد سنة 1398هـ - 1978م، حيث سعى إلى تطوير أساليب تنصيرية تتماشى مع معطيات العصر الحديث وتطوراته.(1) فاقترح المؤتمرون في هذا المؤتمر أساليب ووسائل ليست كلها جديدة بحتة، ولكنها تطوير لأساليب ووسائل تقليدية ألبست لباس العلمية والدراسة والتخطيط المسبق، كأسلوب الفلاح، واختيار التربة والتأثير النفسي، وإيقاظ اللغـات واللهجات المحلية بترجمة الإنجيـل إليها، والمطبوعات والبث الإذاعي والإعلامي بعامة، والحلقات الدراسيـة بالمراسلة، والاهتمام بمشكلات الشعوب الإسلامية، والحوار الإسلامي النصراني.(1) على الطريقة النصرانية التي ترفض التخلي عن مسلمات تريد فرضها في الحوار وعلى المحـاورين من المسلمين. والحوار سلاح ذو حدين، فكما يعدونه وسيلة للتنصير نعده نحن وسيلة للمواجهة وللدعوة بحسب النظرة إلى الحوار وأصولـه وطرقه ومنطلقـه. * **** *   الفصل الرابع وسائل التنصير المساندة تمهيـــد: ومع الوسائل المباشرة التي اتخذها المنصرون في سبيل الوصول إلى المجتمعات الإسلامية، وغير الإسلامية، نجد أن هناك ظروفًا تهيأت للمنصرين، وهيأت الطريق للتوغل في المجتمعات الأخرى، وقد ساندتهم في تحقيق أهدافهم التنصيرية. ومن هذه الأساليب ماهو قديم طارئ ومنتهٍ، ومنها ماهو قديم يتجدد، ومنها كذلك ماهو جديد لم يكن لـه وجود من قبل. ومن أبرز الوسائل المساندة للتنصير والمنصرين الآتي: 1- الاحتـــلال: الوسيلة المساندة الأولى والأقوى -فيما يبدو لي- هي الاحتلال (الاستعمار). وقد دعا المنصرون المستعمرين إلى احتلال البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، وعندما احتُلت البلاد ذلل المحتلون العقبات أمام المنصرين، واستطاعوا أن يقيموا مؤسساتهم في بلاد المسلمين بكل سهولة. وقد قيل: إنَّ كون التنصير والاحتلال وجهان لعملة واحدة يعدُّ حقيقة أثبت التاريخ صدقها. وحين يحطُّ الاحتلال في أرض قوم يبادر إلى إقامة الكنائس فيها.(1) والتآزر بين المحتلين والمنصرين جانب فرضته الكنيسة، وجعلته مجالاً للانتقام لأولئك الذين أُخرجوا من فلول الحملات الصليبية، ولذا قيلت العبارة المشهورة في القدس، في العقد الرابع من القرن الرابع عشر الهجري، الثاني من القرن العشرين: "اليوم انتهت الحروب الصليبية".(1) وقريب من هذا ما قاله الجنرال "غورو" عندما دخل دمشق الشام، ووقف على قبر "صلاح الدين الأيوبي"، وقال: "ها قد عدنا يا صلاح الدين".(2) وقد وقف المنصرون ورجال السياسة (المستعمرون) وجهًا لوجه حول أي الفريقين يجب أن يتقدم الآخر. والمعروف في التاريخ أن المنصرين هم الذين يدخلون البلاد أولاً، ثم يتلوهم المستعمرون. إلا أن المنصرين رغبوا في تَقَدُّم الجيوش عليهم مع بداية القرن الثالث عشر الهجري- التاسع عشر الميلادي، وذلك بعد أن أدرك الحكام المحليون أن دخول المنصرين يعني احتلال البلاد، فيجد المنصرون من ذلك عنتًا ومشقة. وكان المنصر "واطسون" قد اقترح أن تتعاون الحكومات الغربية في سبيل منع انتشار الإسلام بين القبائل الوثنية في أفريقيا، حتى تكون مهمة التنصير أهون عندما يزول المنافس (الإسلام)، ولايزال المنصرون يخشون هذه المنافسة خشية شديدة.(3) ويرى المنصرون "أن السيادة الغربية في قطر إسلامي ما معناها تسهيل انتقال المسلمين إلى النصرانية، أما فقـدان هذه السيادة فينتج عــنه حـــركة عكـسية تمامًا".(1) ويصرح بذلك، أيضـًا، الأب "دوفوكـو" في مذكراتـه التي كتبها في 16/9/1334هـ-16/7/1916م، إذ يقول: "اعتقد أنه إذا لم يتم تنصير المسلمين في مستعمراتنا بشمال أفريقيا، فإن حركة وطنية ستقوم بها على غرار ما حدث في تركيا، وإن نخبة من المثقفين ستتكون في المدن الكبرى متأثرة بالفكر الفرنسي دون أن يكون لها إحساس الفرنسيين ولا طيبوبتهم، وإن هذه النخبة ستحتفظ بمظاهر الإسلام، رغم ضياع روحه، لتؤثِّر بها على الجماهير، ومن جهة أخرى فإن جمهور الشعب من البدو الرحل سيبقى جاهلاً عديم الصلة بنا متمسكًا بإسلامه حاقدًا على الفرنسيين، محتقرًا لهم بدافع من وازعه الديني وأشياخه ومعاملة الفرنسيين من رجال السلطة...".(2) وقد عاش هذا الأب بين الطوارق المقاومين لكل تسرب أجنبي. وكأن الاحتلال بهذه الجهود المبذولة للمنصرين يرد لهم الجميل عندما دعوا لـه ومهدوا لـه. وفي هذا يقول المنصر الأمريكي "جاك مندلسون": "لقد تمت محاولات نشيطة لاستعمال المبشرين، لا لمصلحة الكنيسة وإنما لخدمة الاستعمار والعبوديـــة".(1) وكما يقول "نابليــون الأول"(2) في جلسة مجلس الدولة في تاريخ 12/2/1219هـ-22/5/1804م: "إن في نيتي إنشاء مؤسسة الإرساليات الأجنبية، فهؤلاء الرجال المتدينون سيكونون عونًا كبيرًا لي في آسيا وأفريقيا وأمريكا. سأرسلهم لجمع المعلومات عن الأقطار. إن ملابسهم تحميهم وتخفي أية نوايا اقتصادية أو سياسية".(3) 2- السياســة: الحكومات الغربية وسيلة مساندة للتنصير. والمعلوم، نظريًا، عن الحكومات الغربية أنها حكومات "عَِلمانية"، وهذا يقتضي عدم اهتمامها بالدين إلا بالقدر الذي يكفل الحرية الدينية والممارسات الشخصية للشعائر الدينية. وعَِلمانية الدولة لا تعني عدم تديُّن القائمين عليها. ولكن الوجهة النظرية تقول بعدم إقحام الدين في شؤون الدولة، بحيث يكون له أثر في قراراتها الداخلية والخارجية. ومهما أحسنا الظن في عَِلمانية الدول الغربية بخاصة، إلا أننا لا يمكن بحال أن نغفل جهودها في مؤازرة المنصرين من خلال الهبات والتسهيلات، وتبني المشروعات، ودخول المنصرين في عمليات إخبارية تخدم هذه الدول، ودخول رجال المخابرات بين المنصرين.(1) 3- المواطنـــون الغربيون: والمواطنون الغربيون يساندون المنصرين مساندة قوية. فالميزانيات المرتفعة للمنصرين ومؤسساتهم إنما تأتي من المواطنين الغربيين أفرادًا كانوا أو ممثلين لمؤسسات تجارية واقتصادية. وحملات التبرعات تتكرر في وسائل الإعلام وفي الشوارع، وفي البريد يوميًا. وتزداد بكثرة أيام الآحاد، حيث يتردد بعض الناس هناك على الكنائس ويكون الجانب الروحي على قدر من الاستيقاظ بعد المواعظ الملهبة للحماس. ومن لا يذهب إلى الكنيسة هذا اليوم يتعرض لهذه المواعظ من خلال شاشات التليفزيون أو الإذاعات المحلية التي ترتبط بالكنيسة بأجر.(2) 4 - الفقر: تعد ظروف الفقر والفاقة التي خلفتها مجموعة من العوامل البشرية والكوارث "الطبيعية" الحالَّة بالمسلمين بقضاء الله وقدره، ثم بالظروف المحيطة بهذا المجتمع من عدة أبعاد، إحدى الوسائل المساندة لحملات التنصير. وهي وسيلة مساندة قوية. فهؤلاء المنصرون لديهم من الإمكانات المادية ما يجعلهم قادرين على الوصول إلى المناطق المنكوبة، مهما كانت وعرة أو نائية مادام فيها فقراء معوزون يأكل الجفاف من جلودهم. وهم على هذه الحال مستعدون لقبول أي إغاثة تصل إليهم دون النظر إلى مصدرها والأهداف من ورائها، ولا مجال هنا للتفكير في الانتماءات العقدية والفكرية، لأن التفكير في هذه الحال يتوقف، وعندما يعاود الذهن القدرة على التمييز يرفع علامة استفهام عريضة؛ أين المسلمون منا؟. 5- الأمــــراض: وكذا تفشي الأمـراض والأوبئة يعد مرتعًا خصبًا للتنصير والمنصرين، ولأي دعوة أو توجه. وتبرز هنا وسائل التنصير المتعلقة بالتطبيب والتمريض. ويمكن أن يتصور امرؤ منظر أم تحمل رضيعًا شاحب الوجه بارز الأوداج متضخم البطن ليستقر في ذهن هذا المرء استعداد هذه الأم لمنح ابنها لأي شخص سيعمل على شفائه بأي اسم من الأسماء يستخدم هذه الوسيلة. والمنصرون يعرفون استغلال الموقف هذا فيعزون محاولات شفاء الطفل إلى عيسى بن مريم -عليهما السلام-. فإذا أراد الله لهذا المريض أن يشفى قيل لأهله إن هذا كان بفضل عيسى، فيكون لعيسى ما يريده لـه هؤلاء المنصرون، وما لا يريده هو -عليه السلام- لنفسه، والصور من هذه المأساة تتكرر يوميًا، وتُرى على شاشات الفضائيات في مناظر مؤلمة محزنة. لاسيما أنها من صنع البشر أنفسهم. 6- ضعف الوعي: وضعف الوعي بالدين وبالحياة والجهل "المطبق" بين الناس، واختلاط الحق بالباطل عند كثير منهم، واختلاط الصدق بالخرافة، وانتشار البدع، كل هذه عوامل كفيلة باستقبال المنصرين وما يحملون من أفكار. والمخرج هنا أن منطلق هؤلاء المنصرين ديني. فهم لا يدعون إلى نبذ الدين، ولا يدعون إلى ترك الصلاة والصيام أو قيام أي علاقة بين العبد والرب بأي طريقة، ولكنهم يرسخون هذه المفهومات بطريقتهم هم، وليس بالطريقة الفطرية التي يولد عليها الجميع وينشأ عليها البعض. وقد ذكر "زويمر" أن " تمادي الاعتقاد بالتمائم وتأثيرها يؤخر أحوال الشعوب الإسلامية ويزيدها شقاءً".(1) ووجود الوعي الديني والأخذ بأسباب الحضارة والمدنية يعد عائقًا أمام حملات حملات التنصير. ويؤيد هذا ما ذكره "زويمر" نفسه، حيث يقول: "إن الخطة الفاسدة الخطرة التي تفضـي ببث مبـادئ المدنية مباشرة ثم نشر المسيحية ثانيًا عقيمة لا فائدة ترجى منها، لأن إدخال الحضارة والمدنية قبل إدخال المسيحية لا تحمد مغبته، بل تنجم عنه مساوئ كثيرة تفوق المساوئ التي كانت قبلا".(2) ويؤيد هذا أيضًا قول أحدهم في مؤتمر "كلورادو" 1398هـ-1978م: "إن غالبية المسلمين الذين يحتمل أن يتنصروا هم من الذين يعتنقون ما يطلق عليه الإسلام الشعبي (أو إسلام العامة)، وهم أرواحيون، يؤمنون بالأرواح الشريرة والجن ويعرفون القليل جدًا عن الإسلام الأصيل، كما يؤمن هؤلاء بدرجة كبيرة بالتعاويذ التي يعتقدون أنها تمدهم بالقوة لمواجهة شرور الحياة وتحدياتها".(1) أما الجن فيؤمن به المسلمون، وأما الأرواح الشريرة والتعاويذ فلا ينبغي أن يكون لها مكان في قلوب المسلمين، ولا في حياتهم اليومية، لأن عقيدة التوحيد التي نؤمن بها ونتبناها لا تدع مجالاً للخرافة أن تنخر في حياتنا، فتهدمها. وما تَفَشِّي هذه التعاويذ، واستشراء الخرافة في بعض المجتمعات المسلمة إلا نتيجة حتمية للبعد عن العقيدة الصافية التي يُقلِّل من شأنها وشأن دعاتها، وتوجه لهم الاتهامات بالتخلف والانحراف والرجعية والأصولية. 7- الاستعداد الذاتي: ولدى المنصرين، في مجملهم، الاستعداد الذاتي للانخراط في حملات التنصير لدوافع مختلفة، أبرزها المغامرة والرحلات والدخول في مجتمعات مختلفة عن المجتمع الغربي، ثم تأتي الدوافع الدينية المقصودة أولاً من وراء الحملات. وليست الدوافع الدينية مع وجودها هي المؤشر الأول للاستعداد الذاتي لجميع المنصرين، لأن أعدادًا منهم -ولو كانت محدودة- تتخلى عن الهدف التنصيري، وربما تحولت عن النصرانية إلى الإسلام أو إلىغيره، واتجهت إلى مجال الدعوة إلى هذا التوجه الجديد، لاسيما الإسلام، بين النصارى وربما المسلمين، وقد وجدت حالات كهذه. وهي قليلة ومحدودة، ولكنها على أي حال تبرز شيئًا من شعور هؤلاء المنصرين تجاه دعوتهم إلى النصرانية. وقد قابلت حالات من هذا القبيل في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفي المملكة العربية السعودية كانوا قد هُيئوا ليصبحوا منصرين، ومارسوا التنصير في بلادهم، وفي بعض المناطق الإسلامية، ولكنهم اهتدوا وأصبحوا دعاة إلى الإسلام يُكَفِّرون عن نشاطهم الذي كانوا يقومون به قبل الهداية، وهي ظاهرة تتزايد مع الوقت والوعي –ولله الحمد-. 8 - الضمانات المالية: وفي الوقت ذاته يتلقى المنصرون ضمانات مالية واجتماعية من المنظمات والمؤسسات التنصيرية لا تقتصر عليهم فحسب، وإنما تشمل أهلهم وأولادهم، من حيث تأمين السكن والإعاشة والتربية والتعليم، والحصول علي المنح العلمية للدراسة في جامعات عالية المستوى. وأقرب مثال على هذا الدعم المادي الضخم أنه اتصل بي، أيام وجودي في أمريكا للدراسة، أحد مندوبي منظمة من المنظمات تدعو نفسها "جمعية الفورسترز Foresters وطلب مقابلتي. وبعد تمنع مني وإصرار وإلحاح منه سمحت له بالمقابلة. وضربت له موعدًا زارني فيه في بيتي، وعرض عليَّ برامج المنظمة وأوجه نشاطها، وسألني إن كنت أرغب في الانضمام للمنظمة، إلا أنه قبل أن يسمع إجابتي على العرض طلب مني أن يعرض عليَّ أربعة أسئلة، تحدد الإجابة عليها مدى رغبتي في الانضمام، ولو بعد حين. وكان السؤال الأول هو مدى قبولي رعاية الجمعية لابني، المولود حديثًا، من الروضة حتى يتخرج من الكلية. والسؤال الثاني كان عن مدى قبولي لتأمين مسكن لي على أحد الشواطئ في ولاية فلوريدا أو في ولاية كاليفورنيا، عندما أصل إلى سن التقاعد، وحيث كانت إجابتي على السؤالين بالنفي رفض المندوب طرح السؤالين الباقيين، إذ لم تكن هناك فائدة من عرضهما، بعدما تبين لـه عدم رغبتي في قبول مثل هذه الإغراءات. وقد كررت ذكر هذا الموقف في مناسبات متعددة لأنه يبرز تجربة ذاتية في التعامل مع هذه المنظمات، مع أنى كنت أتمنى أني لم أجب على كل سؤال على حدة، وانتظرت حتى ينهي المندوب أسئلته الأربعة، ولكن فات عليَّ ذلك، وفات عليَّ السؤالان الأخيران إلى الآن. 9- الحقد الكمين: وكما أن بعض المنصرين يدفعه الإيمان بما يقوم به من تنصير، نجد أن بعضًا آخر يدفعه الحقد الكمين الموروث ضد المسلمين بخاصة، وضد الأجناس الأخرى بعامة. ويصحب هذا الحقد لدى هذه الفئة الرغبة في توكيد سيطرة الرجل الأبيض التي إن لم تصل عن طريق الاحتلال المباشر (الاستعمار) والتبعية السياسية فإنها ستصل عن طريق التنصير، حيث إشباع الجانب الروحي أولاً، ثم تتحقق الجوانب الأخرى بعدئذ. وهذا الجانب قد يؤكد لنا عدم حصر الحملات التنصيرية، من خلال العاملين بها، على الدافع الديني المحض فحسب. بل إن هناك دوافعَ قد تكون أحيانًا ذاتية تقود بعضًا من هؤلاء إلى الانخراط في الحملات التنصيرية. 10- التسيُّب في التعاليم: والنصرانية تعرَّضت للتحريف منذ القدم، أي منذ تدخُّل اليهود ممثلين في "شاؤول" أو "بولس" في تصريف أمور النصرانية. وهذه التحريفات المستمرة أكسبت النصرانية تسيُّبًا في التعاليم قد يسميه البعض بالمرونة، فكان الاستعداد للتنازل عن بعض التعاليم الدينية قائمًا، حتى التعاليم التي كانت صارمة والتي تتعلق بالطلاق والتعدد والسماحة وغيرها تُنوزل عنها. فكان التنازل عن المبادئ والمثل مساندًا للمنصرين في شق طريقهم في المجتمعات وبين القبائل، التي تخضع لأوامر شيخ القبيلة، الذي يخضع بدوره لضغط مستمر من المنصرين بقبول النصرانية، مع البقـاء على ما هو عليه من عـادات وتقاليد محلية لا تتفق بالضرورة مع أوليات الرسالات السماوية. وإن لم يقبل بالنصرانية فليتخلَّ عن الإسلام - إن كان مسلمًا أو قريبًا من الإسلام- ولا مانع لدى المنصرين في سبيل الوصول إلى هذه الغاية من التضحية بتعاليم المسيح عيسى بن مريم -عليهما السلام - الموروثة التي يدعون إليها في مجتمعاتهم نظريًا على أحسن الأحوال. ولايبدو هذا التوجه سائدًا لدى المخلصين لدينهم من النصارى. 11- تجهيز المنصرين: ومؤسسات التنصير من جمعيات ومنظمات تعمد إلى تجهيز المنصرين تجهيزًا تامًا مستغلة فيهم استعدادهم الذاتي للرحلة والمغامرة. فتعمل هذه المؤسسـات على تعليمهـم اللغات والطباع والعادات والأديان السائدة وجوانب الضعف فيها، وإن لم يكن فيها جوانب ضعف أوجدوا فيها هذه الجوانب، كما هو الحال في موقفهم من الإسلام، مستعينين لهذا العمل بافتراءات المستشرقين القديمة والحديثة. فينطلق المستشرقون والمنصرون وهم على دراية بالمجتمعات المقدمين عليها. كما أنهم على استعداد لمواجهة الصعاب والعقبات فيما يتعلق بالتعامل أو العيش أو العادات الغذائية أو السكن، يشاطرون الناس طعامهم ومعاشهم ومسكنهم ولباسهم أحيانًا، وإن لم يكونوا على قناعة تامة بما يعملون، وبخاصة في مجالات العادات الغذائية والتقاليد الأخرى. وفي مجتمعاتنا العربية أكلوا لحم الجزور وشربوا حليب "الخلفات" ولبنها، بل جلسوا تحت النياق يحلبونها، وأكلوا الأقط والكمأ، بل ربما جرّبوا أكل الجراد والحيوانات البرية التي لم يعهدوها في حياتهم ومجتمعاتهم الغربية، وهم أولئك الذين يعتقدون أن الجمل حيوان متوحش خشن. وعلى مثل هذا يقاس الوضع في المجتمعات الأخرى في آسيا وأفريقيا يشجعهم على ذلك الاستعداد النفسي وحب المغامرة، والدخول في تجارب حياتية جديدة. 12- تساهل المسلمين: وتساهُل بعض المسلمين والحكَّام المحليين ورؤساء القبائل وشيوخها، لاسيما في شرق أفريقيا، واستقطابهم للمنصرين والترحيب بهم وتقريبهم وإعطاؤهم التسهيلات لإقامة مؤسساتهم التنصيرية، يعد إحدى الوسائل المساندة للتنصير. فقد فتح بعض المسلمين الأبواب على مصاريعها للمنصرين، وعدهم المنقذين من التخلف والرجعية والجهل والانطوائية.(1) وتذكر الأميرة "سالمة بنت السيد سعيد البوسعيدي"(1) في كتابها مذكرات أميرة عربية أن التسامح مع المنصرين قد وصـل إلى إقامـة الكنائس في مجتمع مسلم خالص (100%)، كما هي الحال في زنجبار،(2) كما وصل إلى السماح للمنصرين بالعمل بهذه المجتمعات والوقوف في وجه من يتصدى لهم أو يحذر منهم أو يضيق عليهم. ورغم أن هذه الأميرة العربية قد تنصرت –كما يقال- ورحلت إلى مجتمع نصراني، إلا أن مذكراتها تقطر بالأسى لما وصلت هي إليه، ولما وصل إليه أهلها وبعض أبناء عشيرتها في زنجبار.(3) وليس الحال هنا مقصورًا على هذه المذكرات أو هذه الأميرة، بل إن أمراء عربًا آخرين كانت لهم مواقف يسَّروا فيها للمنصرين السبيل إلى تحقيق شيء من تطلعاتهم، في الوقت الذي كانوا يتوقعون قدرًا من المقاومة، لاسيما إذا جاء هؤلاء المنصرون بثياب الأطباء والممرضين والممرضات، مما يدخل في التنصير المختفي الذي مر ذكره في الفصل الأول من هذه المناقشات، وإلا لا يتصوّر أن يسمح الأمراء والحكام العرب بالدخول التنصيري الصريح في مجتمعات كلها مسلمون، إذ إنهم يحسبون لشعوبهم حسابًا، وإنما قاموا عليهم ليخدموهم.(1) ويدخل في هذا إيجاد حكَّام نصارى على أغلبية مسلمة، بحيث تكون هذه الأغلبية أقلية، ويمكِّن هؤلاء الحكام للإرساليات التنصيرية الحرية في التنقل بين المدن والقرى والأرياف، ويقدمون لها الحماية اللازمة على حساب سكان البلاد المسلمين. وفي هذا يذكر المنصر "كينيث لاتورث" أنه " يجب أن نذكر على كل حال أنه لم يحدث انتقال واسع من الإسلام إلى النصرانية في قطر ما إلا بعد أن تبدل ذلك القطر بحكومته الإسلامية حكومة غربية مسيحية، وذلك فقط إذا كانت هذه الحكومات الغربية المسيحية تنهج سياسة فعَّالة في مساعدة الإرساليات".(1) ولا تعني عبارة (الحكومات الغربية) السيطرة الغربية المباشرة، إذ إن هذه السيطرة المباشرة قد زالت مع زوال الاحتلال من بلاد المسلمين. 13- تأليف الأذهان: وهناك وسائل أخرى مساندة وغير واضحة للجميع، كالتأليف علىالرموز والشعائر النصرانية كالصلبان والأجراس، والمناسبات الدينية والثقافية، وغيرها من وسائل تأليف الأنظار والأذهان. ومن ذلك المحاولات المستمرة لإقامة الكنائس للإرساليات والمدارس والأندية تكون مرتفعة ومتميزة "حتى تؤثر في عقول الزائرين وفي عواطفهم وخيالاتهم. إن ذلك في اعتقاد المبشرين يقرب غير النصارى من النصرانية".(2) ولا تعني هذه الأبنية وجود نصارى في الأماكن التي تبنى بها، ولكن يُحضر لها من يشغلها أوقات العبادة، وإذا ما اعترضت بعض التحديات هذه الطريقة، كأنْ يرفض المسلم بيع بيته أو أرضه من أجل إقامة مؤسسة تنصيرية عليه، أغروه بالمال الكثير ليرحل إلى مكان آخر.( 3) وفي عاصمة عربية إسلامية تعد بوابة المسلمين إلى أفريقيا هي الخرطوم يجد الواصل إليها عن طريق الجو أول ما يصادفه نادٍ تنصيري، ثم تليه على الطريق إلى المدينة مقبرة للنصارى، ثم تليها كنيسة نصرانية، فيحسُّ المرء أنه في مدينة نصرانية، أو غالبية أهلها من النصارى.(1) وتقوم كنيسة على مدخل المطار الجديد في البحري مساحة أرضها مئة ألف متر مربع (100.000م2). وهذا شكل من أشكال تغيير طابع العاصمة الإسلامي إلى طابع نصراني.(2) وهناك وسائل عدة لتأليف الأنظار والأسماع على الرموز والأسماء النصرانية. ومنها ما شاع في الأسماء، وخاصة الإناث وأسماء الأماكن التجارية والمطاعم ومرافق الخدمات التجارية العامة التي فشت الآن في المجتمعات المسلمة، وأصبحت عنوانًا من عنوانات الانخراط في ركب الحضارة والتقدم. وهذه وغيرها وسائل للتأليف على المفهوم العام والشامل للتنصير الذي انتقل من مجرَّد إدخال غير النصارى في النصرانية, على ما ورد التوكيد عليه عند الحديث عن المفهوم واستعراض الوسائل المباشرة. إلا أنه لا بد من شيء من التوازن في النظر إلى التأليف بالرموز. فليس بالضرورة أن كل ما يوحي بالتأليف يدخل في مفهوم التأليف على الرموز. والتثبت دائمًا يعين على الوصول إلى الحكم الصحيح القاطع، ذلك أن بعض المتابعين قد يصاب بالحساسية المفرطة حول كل ما يوحي بالتأليف برموز شائعة في الثقافات الأخرى. والحساسية مطلوبة، والحذر مهم. ومع هذا فينبغي أن يكون كلُّ شيء بقدر دون مبالغة. وهذا يتفق مع ما سعيت إلى التوكيد عليه سالفًا من أنه ليس بالضرورة كل الغرب بأفراده وجماعاته ومؤسساته يقبل الانخراط في هذه الأشكال والأساليب المذكورة أعلاه. * **** *   الفصل الخامس سبـل مواجهــة التنصــير تمهيـــد: لم يقف المسلمون - على العموم- مكتوفي الأيدي أمام الحملات التنصيرية، ورغم العرض لبعض الوسائل المساندة للتنصير والمنصرين، التي كان من بينها تساهل بعض المسؤولين المسلمين في مواقفهم من المنصرين، وتساهل بعض الأهالي، إلا أنه كانت هناك مواجهة مستمرة، ولا تزال قائمة، للحملات التنصيرية, قام ويقوم بها المسلمون المهتمون بالدفاع عن الدين وكشف مخططات المنصرين. على أن المواجهة لا تتوقف عند مجرد حماية المجتمعات المسلمة من غائلة التنصير، بل إنها تتعدى ذلك إلى درء الفتنة، ولعلنا بهذا نخرج من مجرد الشعور بأنا نتصدَّى للتحديات التي تواجهنا، فنكتفي بالتنبيه لها والتحذير منها، مما يدخل في انتظار الأفعال للرد عليها، إلى السعي إلى تقديم البديل الصالح الذي نعتقد أن فيه، لا في غيره، صلاح البلاد والعباد، وأنه سر السعادة في الدنيا والآخرة. وهذا المفهوم لا يأتي بمجرد الترديد النظري في المجتمع المسلم، بل لا بد أن تنطلق القدوة التي تحمل الإيمان على أكتافها بعد أن استقر في صدورها، فتقدم هذا الإيمان إلى الآخرين على أنه هو الخيار الوحيد في عالم مليء بمحاولات البحث عن الحقيقة والسعادة والاستقرار الروحي والنفسي والذهني والفكري، وتمثل ذلك كله بهذه الحركات والمذاهب التي جرى استغلالها على غير ما قصدت به في الغالب الكثير، كالتنصير الذي انطلق في البدء من رسالة عيسى بن مريم- عليهما السلام- وحصل لـه ما حصل من تغييرات في المفهـوم والأهداف، وإن لم يخرج في ناحية منه عن المفهوم الأساس لـه وهو إدخال غبر النصارى في النصرانيـة. (1) وعلى أنه لايفهم من كون التصدي للتنصير والمنصرين هو غاية في حدّ ذاته، ولكن الدعوة إلى الله تعالى تقتضي العمل على التغلب على الصعاب التي تعترض الطريق. ومن أبرز هذه الصعاب -على ما يبدو لي- حملات التنصير التي لا تزال تتواصل على المجتمع المسلم. وتتحقق المواجهة بمجموعة من الوسائل، هي -دائمًا- خاضعة للتغيير والتبديل والتكييف بحسب البيئات التي تقوم فيها المواجهة. والمهم عند المسلمين أن هذه المواجهات بأساليبها ووسائلها المتعددة لا تخرج بحال من الأحوال عن الإطار المباح شرعًا، مهما كانت قوة الحملات التنصيرية، ومهما اتخذت هي من وسائل غير نزيهة، فاتخاذ المنصرين وسائل غير نزيهة لا يسوغ لنا نحن المسلمين اتباع هذا المنهج، فالله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا,(2) والغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة. وهذا يصدق على مجالات المواجهة بخاصة، وعلى مجالات الدعوة بعامة, بل إن وسائل المواجهة هي في ذاتها أساليب للدعوة، فقصدنا نحن المسلمين من هذه المواجهة ليس مجرد المواجهة والصد فحسب، بل الدعوة إلى الله تعالى بهذه المواجهة، بحيث نسعى إلى هداية المنصرين، أو بعضٍ منهم، في الوقت الذي نحمي فيه مجتمعنا المسلم من الحملات. ولا نبتغي بهذا كله إلا وجه الله تعالى والدار الآخرة، ولذا فإن روح المنافسة غير الشريفة في هذا المجال، وفي غيره، غير واردة في مواجهتنا للتنصير، لأن الندية هنا غير متحققة، بل إننا نعتقد أننا نصارع الباطل بما عندنا من الحق. وفي هذا الصراع بين الحق والباطل ضدية لا ندية. ومهما جرى هنا من سرد لوسائل المواجهة فلا بد من التوكيد على عدم شموليتها، وعدم انطباقها بالضرورة على جميع الأحوال والبيئات. وأي وسيلة لا تخرج عن الإطار الشرعي وتتحقق بها المصلحة أو تغلب فيها المصالح على المفاسد فهي مطلوبة بحسب الحاجة إليها. ولعل من وسائل مواجهة الحملات التنصيرية في المجتمع المسلم الخطوات الآتية: 1- الدعوة إلى الله: الدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، فالمواجهة العملية أن نقدم للآخرين من مسلمين وغير مسلمين البديل الذي نعتقد أنه الحق، وهو الإسلام الذي جاء به القرآن الكريم وجاءت به سنة المصطفى محمد - -. وأساليب الدعوة متعددة ومتنوعة، وبعضها يناسب مجتمعات ولا يناسب أخرى. فالدعوة المباشرة أسلوب، والدعوة بالإغاثة أسلوب، والدورات أسلوب، والمنح الدراسية أسلوب، وكل ما يحقق الهدف ولا يتعارض مع الشرع أسلوب تفرضه أحيانًا الحال أو الزمان أو المكان.(1) والدعوة إلى الله تعالى تتطلب العلم الشرعي أولاً ثم الفقه فيه. وهما يعدان من أوليات مؤهلات الداعية إلى الله تعالى، وقبل ذلك وبعده الدعوة بالقدوة، فكم دخل الإسلام مهتدون بسبب ما وجدوه من القدوة في التعامل والمعاملة والسلوك. 2- السياســـة: والحكومات الإسلامية يمكن أن تمارس أثرًا فاعلاً في التصدي للتنصير بعدم تقديم التسهيلات للمنصرين في المجتمعات المسلمة، وبالتوكيد على الوافدين إلى بلاد المسلمين من غير المسلمين باحترام دين البلاد وعدم اتخاذهم أي إجراء عام يتعارض مع هذا الدين أو يتناقض معه، وبإحلال البديل الحق الذي يتقدم المنصرون بما يبدو أنه مماثل لـه، ذلك البديل المؤصَّل المناسب للبيئة المسلمة، وبمراقبة البعثات الدبلوماسية الأجنبية وإشعارها دائمًا وبوضوح أنها مطالبة بالاقتصار على مهماتها المناطة بها والمحددة لها، وعدم الإخلال بهذه المهمات بالخروج إلى المجتمع ومحاولة تضليله دينيًا وثقافيًا واجتماعيًا.(1) كما أن البعثات الدبلوماسية المسلمة في البلاد المسلمة عليها مهمة المواجهة بالأساليب التي تراها مناسبة، بحيث تحد من المد التنصيري في المجتمعات المسلمة التي تعمل بها. وهذا مناط أولاً بالبعثات الدبلوماسية التي تمثل بلادًا غنية بالعلم والعلماء، وغنية بالإمكانات التي يمكن أن تحل محل الإمكانات التنصيرية. وعليها في البلاد غير المسلمة أن تقدم البديل الحق، إن لم يكن مباشرة فلا أقل من أن تمثل بلادها الإسلامية تمثيلاً يليق بها في الممارسات الرسمية والفردية، إذ إنه ينظر إلى هؤلاء الممثلين الدبلوماسيين على أنهم حجة على دينهم وثقافتهم ومثلهم، كل هذا يجري بوضوح وبعلم المسؤولين في الدولة المضيفة، بل ربما بموافقتها على ذلك. 3- هيئات الإغاثة: وقد ظهرت على الساحة الإسلامية مجموعة من الهيئات الإغاثية الإسلامية وجمعياتها ولجانها. وهي مع تواضع تجربتها وافتقارها إلى الخبرة والعراقة، إلا أنها، مع قلة إمكاناتها، قد اقتحمت الساحة بفاعلية، وهي تؤلف تهديدًا عمليًا واضحًا للجمعيات التنصيرية.(1) والمطلوب في هذه الوسيلة تكثيف أعمالها وتعددها النوعي وليس بالضرورة الكمي. وأظن هذا التعدد ظاهرة صحية، إذا ما روعيت فيها الدقة والأمانة والإخلاص في العمل والصواب فيه، والبعد عن القضايا الجانبية التي تضر بالعمل ولا تعين عليه. كما أن التنسيق مطلب جوهري وملح بين الهيئات، فالغرض هو الوصول إلى المنكوبين، والهدف الأسمى من هذا كله هو تحقيق حمل الأمانة التي أراد الله تعالى لهذا الإنسان أن يحملها. 4- علماء الأمـــة: والعلماء وطلبة العلم يناط بهم عمل عظيم في هذا المجال. فهم الذين يديرون الدفة العلمية والفكرية، وهم الذين يملكون القدرة بعلمهم وحكمتهم على ميزان الأشياء، ويملكون كذلك القدرة على التأثير. والمطلوب من العلماء وطلبة العلم الولوج إلىالمجتمعات المسلمة بعلمهم مباشرة عن طريق الزيارات المستمرة وأوجه النشاط العلمي والثقافي الجماعي والفردي، وعن طريق المحاضرات والمؤلفات والرسائل القصيرة والنشرات الموجزة الموجهة قصدًا إلى العامة، والبرامج الإعلامية الدعوية، والبث الفضائي. وهم مطالبون بالداخل بالاستمرار في تنبيه الناس لأخطار التنصير، ودعوة العامة والخاصة من المسلمين للإسهام في مواجهة الحملات التنصيرية بحسب القدرة المادية والبشرية، وبحسب الخبرة وغيرها من الإمكانات.(1) وإنه لمن المفرح حقًا أن التصدي للتنصير بدأ يأخذ بعدًا وشكلاً عموميًا بين الناس، بعد أن كان محصورًا على قلة منهم، وبين أوساط المتعلمين والمفكرين والمثقفين فقط. بل لقد قيل في زمن مضى إنه من العيب على العلماء وطلبة العلم التصدي للحملات التنصيرية والإرساليات في حقبة من الكفاح القومي، فلا يجب أن تذكر كلمة إسلام أو نصرانية أو مسيحية أو مسلم أو نصراني أو مسيحي، ليصبح الجميع إخوانًا في القومية،(2) ويصبح الدين لله والوطن للجميع. وكان هذا المطلب من جانب واحد، إذ إن الإرساليات كانت تترى على المجتمع المسلم، ومنه المجتمع العربي، بشتى أشكالها وأساليبها. ومع هذا يطلب من الدعوة إلى الإسلام أن تتوقف من منطلق قومي جيء به ليحل محل الإسلام، لا ليحل محل الأديان جميعها، ذلك أن القومية إنما انطلقت على أيدي نصارى العرب. وتلك كانت حالة مرت بها الأمة في زمن مضى. وقد آذن نجمها بالأفول، حيث لم توفق في أن تكون هي البديل للإسلام. ونرى بوادر التخلص منها قد ظهرت منذ زمن على أيدي العلماء الذين نظروا للعربية والعروبة على أنها مساندة للدين، لا منافسة لـه، وأنهما يمكن أن يجتمعا. والمطلوب المزيد من هذا التصدي والمزيد من فضح الأساليب وتقديم الأدلة القوية والبراهين الواضحة على هذه الحملات التنصيرية رغبة في الإقناع، مع التثبُّت الدائم من المعلومات الواردة لتقوى الحجة ويقوى قبولها. 5 - التجارة والاقتصاد: والتجار ورجال الأعمال والموسرون مطالبون بالإسهام في التصدي للتنصير، سواءً أكانوا في أماكن أعمالهم، أم في البلاد التي يتعاملون معها. فكما انتشر الإسلام في شرق آسيا وجنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا عن طريق التجار ورجال الأعمال الأوائل، يمكن أن تستمر هذه الوسيلة مع وجود تحديات وبيئات وأساليب وطرق تختلف عن السابق. وهم مطالبون أن يكونوا قدوة في أعمالهم ومعاملاتهم وتعاملهم مع الآخرين من مسلمين وغير مسلمين، ذلك أنهم يمثلون ثقافة وخلفية ينظر إليها من خلالهم. وهذا مطلب المقل، إذ إن المهمات المناطة برجال الأعمال والتجار تتعدى مجرد القدوة إلى محاولة زرعها بالحسنى بين الفئات التي يتعاملون معها. ولعل التجار ورجال الأعمال وأصحاب المصانع ممن تضطرهم أعمالهم إلى استقدام الطاقات البشرية من القوى العاملة يسعون بجدية إلى التركيز على المسلمين من المستقدمين. وحيث إن هذا المطلب قد لا يتيسر في جميع الأحوال فإن على التجار ورجال الأعمال وأصحاب المصانع أن يتنبهوا إلى ضرورة المراقبة الدقيقة والمتابعة المستمرة لأولئك الذين لا يدينون بالإسلام. والعمَّال عمومًا أمانة في أعناق أصحاب هذه المؤسسات، ويحتاجون إلى الرعاية والعناية من المسلمين وغير المسلمين، ومن حق هؤلاء العمال على أصحاب الأعمال أن يدلوهم على الخير، ثم الهداية عندئذ من الله تعالى. والمهم هنا هو التأكُّد من أن العمال من غير المسلمين لم يأتوا لأغراض فكرية أو ثقافية أو دينية أخرى تحت ستار العمل، بغض النظر عن طبيعة العمل في كونه تخصصًا دقيقًا أو فنيًا أو حرفيًا يقوم به أشخاص تظهر عليهم البساطة والأمية والتخلف. وهذا الأمر ليس مقصورًا على مؤسسات القطاعات الأهلية، بل إن القطاعات الحكومية تجلب الخبرات والطاقات البشرية المؤهلة وغير المؤهلة أحيانًا، فيسري عليها هذا المطلب الحيوي، مع الأخذ بالحسبان أنه يندس بين هؤلاء العمال مرشدون روحيون مقصود منهم حماية العمال من الاطلاع الدقيق على حقيقة الإسلام، مع ربطهم المستمر بدينهم. ومن أجل ألا تكون مسألة قبول هذه الفكرة في متابعة العمال في جميع المؤسسات فردية وخاضعة لمدى اقتناع صاحب العمل بها، في الوقت الذي ينظر فيه إلى الإنتاجية مؤشرًا ومقياسًا للأداء، فإن على الغرف التجارية المحلية والإقليمية أن تسهم في معالجة هذه الناحية بطريقتها في الاتصال بالتجار ورجال الأعمال بالاجتماع بهم، وعقد الندوات أو المحاضرات أو كتابة المقالات والنداءات في إصدارات الغرف الدورية، أو ماتراه هي مناسبًا لإيصال هذه الفكرة، كل هذا يجري على قدر عالٍ من الوضوح والشفافية لدى جميع الأطراف. وفي الداخل يهب رجال الأعمال والتجار والموسرون داعمين للأعمال الخيرية الموثوقة. وهم بحق عصب الأعمال الخيرية والدعوية، ودون ولوجهم أعمال الخير بالبذل وتَبنِّي المشروعات تقف الدعوة والإغاثة مشلولة تتفرج على الآخرين يتبرعون بسخاء للمنظمات، والوصية لها بكامل التركة، أو بجلها بعد الموت، وهكذا. 6 - شباب الأمة: وشباب الأمة يملكون الطاقة والقوة وشيئًا من الفراغ والرغبة، فيخوضون غمار المغامرة. ومع شيء من التوجيه يمكن أن يسهم الشباب في التصدي للتنصير والمنصرين عن طريق التطوع، فيكونوا سندًا للعاملين في مجالات الدعوة والإغاثة. ولا يشترط في الجميع أن يكونوا دعاة بالمفهوم الشائع للداعية، ولا يشترط أن يكونوا علماء يملكون زمام الفتوى، ولا يشترط أن يطلب منهم التغيير السريع في المجتمعات التي يتطوعون للعمل بها، فكل هذه المتطلبات تترك للتخطيط والتنظيم والمسح. ولا يقلل من جهود الشباب المساندة والعاملين في مجالات الدعوة والإغاثة، فإن هذه المساندة مهمة ومطلوبة. ولا أظن أن عملاً يمكن أن يقوم بفاعلية جيدة إن لم توجد لـه هذه الجهود المساندة. ولا أظن أن أمر الاهتمام بالمسلمين في مجالات الدعوة والإغاثة ينبغي أن يترك للاجتهادات الشخصية المدفوعة أحيانًا بالحماس، المفتقر إلى الخلفية الجيدة في أمور الدعوة والإغاثة، وإلا جاءت النتائج عكسية مؤلمة لمن عملوا بهذه المجالات، ولقد تضرر المجتمع المسلم من الاندفاع العاطفي الذي يفتقد لقدر من المعرفة والحكمة، ووجد من يمارس الإغاثة والدعوة بلا مؤهلات، ومن يتعالم ويتفيقه فكان أولئك دون أن يدروا عونًا للتنصير لا مواجهين لـه. وقد أسهم مجموعة من الشباب المتطوعين، ويسهمون، في هذا المجال عندما تهيأ لهم الموجهون الناصحون المنصحون في أفريقيا أيام المجاعة، وفي آسيا أيام الجهاد في أفغانستان، فكان الشباب مثالاً للتفاني والتضحية تركوا وراءهم في ديارهم الخير والجاه والنعمة والرفاهية، ورضوا أن يعيشوا بالقليل من الزاد والراحة. هذا في وقت يظن البعض فيه أن مجموعات غير قليلة من هؤلاء لا يصلح لأي شيء سوى حياة مرفهة. 7 - المؤسسات العلمية: وهناك مؤسسات علمية ومؤسسات تعليمية كالجامعات والمعاهد ومراكز البحوث. وهذه منتشرة في أنحاء العالم الإسلامي، ويتوقع لها أن تسهم في مجال التركيز على الحملات التنصيرية، وعن طريق عقد الندوات والدعوة إلى المحاضرات والمؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية لوضع الخطط والاستراتيجيات لمواجهة التنصير، وعن طريق إصدار دورية علمية، وأخرى ثقافية تعنيان بالتنصير وتتابعان تحركاته، حيث تخلو الساحة من هذه الإصدارات المتخصصة. ولا يوجد - على حد علمي- دورية علمية أو مجلة ثقافية واحدة تخصصت بهذه الظاهرة، يمكن الرجوع إليها لمتابعة أنشطة المنصرين. وفي المقابل نجد مجموعـات من المجلات التنصيرية المدعومة من الجمعيات التنصيرية.(1) كما لا توجد -على حد علمي- مؤسسة علمية أو تعليمية واحدة تضع من اهتماماتها الأولية والمستمرة والمرسومة متابعة هذه الظاهرة ورصد تحركاتها وإطلاع المهتمين على خططها وأعمالها.(1) وفي المقابل تزداد الجمعيات التنصيرية والجامعات التي تخصصت في تخريج المنصرين.(2) والمؤسسات العلمية والتعليمية من مراكز وجمعيات وجامعات في العالم الإسلامي تملك القدرات العلمية والبشرية لترجمة الكتب النافعة والرسائل الموجزة، ونشرها بين الأقليات المسلمة وبين المسلمين عمومًا ممن لا يتحدثون اللغة العربية، كما تملك القدرة على تكليف من يجيدون اللغات بالترجمة والتحفيز عليها، كأن تكون حافزًا للترقية في الجامعات مثلاً. كما يطلب من هذه المؤسسات القيام بترجمة بعض ما ينشر من مؤتمرات المنصرين ووقائع لقاءاتهم وجهودهم في حملاتهم، وذلك رغبة في إطلاع الأمة على مايراد بها. 8 - رابطة العالم الإسلامي: ورابطة العالم الإسلامي تقوم بجهود مشكورة في سبيل الدعوة إلى الله تعالى. ويتطلع إليها المسلمون في بذل المزيد في مواجهة التنصير، بما تملك من قدرة على التأثير، وقدرة على الوصول إلى من يمكن فيهم التأثير، وإن لم تكن قادرة قدرة مباشرة على التصدي لهذه الحملات التنصيرية في المجتمع المسلم، ولكنها تسهم على أي حال في هذا المجال، لاسيما أن أهدافها تنص على دحض الشبهات، والتصدي للأفكار والتيارات الهدامة التي يريد منها أعداء الإسلام فتنة المسلمين عن دينهم، وتشتيت شملهم وتمزيق وحدتهم، والدفاع عن القضايا الإسلامية بما يحقق مصالح المسلمين وآمالهم، ويحل مشكلاتهم. وينتظر منها المزيد في اتخاذ الوسائل التي أعلن عنها، وذلك، مثلاً، بإقامة لجنة تحت مظلة الرابطة، تعنى بظاهرة التنصير وتعمل على متابعتها ورصدها.(1) 9- الندوة العالمية: والندوة العالمية الدائمة للشباب الإسلامي تكثف من أوجه نشاطها في أوساط الشباب، وتحمل لهم المنهج الصحيح، وتزيد من المخيمات الشبابية في أفريقيا وآسيا ثم أوروبا والأمريكتين، وتجلب لهم العلماء وطلبة العلم والكتب والرسائل والنشرات الإسلامية المنقولة إلى اللغات التي يتقنونها. وتركز في نشاطها الثقافي في هذه المخيمات على الأخطار التي يواجهها هؤلاء الشباب في عقر دارهم، وبين ظهرانيهم.(1) ومن بين هذه الأخطار والتحديات هذه الحملات التنصيرية المنتشرة. 10- منظمة المؤتمر الإسلامي: ومنظمة المؤتمر الإسلامي والمنظمات المنبثقة عنها تملك شيئًا من القدرة على التأثير السياسي على الحكام ورؤساء الدول الإسلامية وملوكها. والمنظمات المنبثقة عنها، كالبنك الإسلامي للتنمية وصندوق التضامن الإسلامي والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة،(2) وتملك القدرة على تبني المزيد من المشروعات التي يمكن أن يسبق بها المنصرون. 11- الجمعيات الإسلامية: والجمعيات الإسلامية المحلية الطلابية والمعنية بالجاليات والأقليات المسلمة في غير بلاد المسلمين، لاسيما في أوروبا والأمريكتين هي أيضًا مطالبة بالإسهام في المواجهة، إذ إن التنصير ليس موجهًا إلى المجتمعات المسلمة فحسب، بل إن الجاليات المسلمة تتعرض لهجمات تنصيرية مسعورة، فيها خطورة بالغة على الأجيال المسلمة القادمة. 12- الجماعات الإسلامية: والجماعات الإسلامية على اختلاف أسمائها وتوجهاتها تتحمل جزءًا غير قليل من المسؤولية في وضع برنامج لمواجهة التنصير ضمن اهتماماتها وأوجه نشاطها، وتستخدم في هذا كل الوسائل الممكنة لها والمتاحة في بيئتها مادامت تتماشى مع شرع الله تعالى، أو لا تتعارض معه. ولعل هذا البرنامج يطغى على بعض البرامج الجانبية التي تهتم بها بعض الجماعات، وتشغل بها المترددين عليها مما هو مدعاة إلى إيجاد فجوات لا مسوِّغ لها بين المسلمين أنفسهم، بل إن وجود مجلس أعلى، أو مجالس عليا قارية، توحِّد هذه الجماعات قصدًا إلى مواجهة إرساليات التنصير، أصبح مطلبًا حيويًا، يبرز من خلاله التنسيق والتشاور واستخدام الخبرات والإمكانات.(1) 13- العلم بالأديـان: ولا بد من التعرف على عقائد النصارى واختلافها باختلاف الطوائف من كاثوليكية وبروتستانتية وأرثودوكسية، بالإضافة إلى الطوائف الرئيسية الأخرى، وما بداخل هذه الطوائف الرئيسية من انقسامات،(2) ومواقفها من طبيعة المسيح عيسى بن مريم - عليهما السلام - وأمه الصديقة مريم - عليها السلام -، ومواقفها من عقيدة التثليث، ومواقف هذه الطوائف من قضايا إيمانية تتعلق بنـزول عيسى بن مريم -عليهما السلام- آخر الزمان، ومسألة البعث والجزاء والحساب، وغيرها من معتقدات القوم المبثوثة في الأناجيل، قصدًا إلى التنبيه لعدم الوقوع فيها، ورغبة في السيطرة على مفهوم التنصير عند الحديث عنه، والحوار مع الآخرين حولـه. 14- الحــــوار: ولا بد من قيام جهة علمية برسم طريقة للحوار مع النصارى في مجالات العقيدة. ومع أن هذا الموضوع غير مرغوب فيه لدى بعض المهتمين، إلا أنه عند الاستعداد لـه بالعلم الشرعي وبالعلم بالملل والنحل، والنصرانية بخاصة، قد يدخل في دعوة القرآن الكريم إلى أهل الكتاب إلى كلمة سواء بيننا وبينهم ألا نعبد إلا الله تعالى ولا نشرك به شيئًا. قال تعالى: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.(1) وهذا ما يعمل على تحقيقه الداعية المسلم "أحمد ديدات" -شفاه الله وعافاه- في محاوراته مع النصارى، وفي دعوته المسلمين إلى التحاور معهم من منطلق القوة والعلو بالإيمان،وليس من منطلق الاستجداء والمواقف الدفاعية والتبريرية والاعـــتذارية.(2) وهناك نماذج أخرى من الدعاة دخلت حوارات مع الآخرين هي في مجملها موفقة، مع أنها لاتخلو من ملحوظات شأنها شأن كل أعمال بني آدم، وقد بدا على بعضها قدر من الدفاعية والتسويغية والاعتذارية. وهذه الخصال هي التي يخشاها فريق من المسلمين، لما يرون فيها من الهوان والتهوين والانجرار إلى المحذور من الوقوع في شرك القوم. وهذا يصدق على أولئك الذين يتصدون لهذا الأمر دون أن يعدوا لـه عدته، فيقعون في المحذور الذي دعا لـه أحد الباحثين النصارى، وهو الأستاذ "ديون كراوفورد" في تقرير نشرته مجلة الحوادث الإفريقية جاء فيه: "إن المسلمين يسيئون فهم النصرانية، كما أن النصارى جهلة بعقيدة المسلمين، ولا ينبغي أن نواجه المسلمين بتحاملات غير موثقة، بل بمعرفة عميـقة بحقائق دينهم، ولذلك يجب العمل على تعليم القساوسة وغيرهم حتى يتمكنوا من العمل في مناطق المسلمين، ويتعين على النصارى والمسلمين أن يدخلوا في حوار لا يؤدي إلى مواجهة وجدل، وإنما إلى فهم كلٍ منهم لدين الآخر. وعن طريق هذا الحوار يمكن تصحيح الفهم غير الصحيح الذي تعلمه المسلمون من القرآن عن النصرانية، وخاصة فيما يتعلق بالكتاب المقدس، ورسالة عيسى وعقيدة الثالوث التي يفهمها المسلمون ويعتبرونها شركًا، وكذلك طبيعة الكنيسة باعتبارها تمثل جسد المسيح. وينبغي أن تتحول العلاقة بين المسلمين والنصارى من علاقة المواجهة السابقة إلى علاقة حوار، على ألا يؤدي هذا الحوار إلى المساومة على النصوص الإنجيلية من أجل تنمية الحوار، وهذا مالا يجوز، فالحوار لاينبغي أن يكون بديلاً عن التبشير بالإنجيل، وعلى المسلمين أن يفهموا أن الحوار يستهدف كسبهم إلى صف النصارى، وينبغي على النصارى أن يخالطوا المسلمين ويصادقوهم، وأن يستغلوا ذلك في إزالة سوء الفهم الراسخ في أذهانهم تجاه الإنجيل والمسيح".(1) وأي حوار لا يقوم على مبدأ الندية، عند المواجهة، لا يمكن أن يسمى حوارًا، وهذا القول إنما يقوم على تأييد فريق من المسلمين الذين يفضلون عدم الدخول في حوارات مع النصارى وغيرهم، مادامت النية مبيتة من قبل، وما دامت الفوقية والدونية تهيمن على أجواء الحوار، ومع هذا كله فقد قام حوار من قبل، ويقوم حوار الآن، وسيقوم حوار - إن شاء الله- من بعد، مما يؤكد على أنّ الحوار أسلوب مهم جدًا من اساليب المواجهة، لاسيما مع توافر اليقين بأن البديل الإسلامي هو الذي مع الحق، وأن معظم الناس ينشدون الحق. (2) * * ** * *   الخاتمة النتيجة والتوصيات تمهيــد: التنصير ظاهرة قديمة تتجدد. وقد بدأت صحيحة، ولكنها تأثرت بما طرأ على النصرانية من تحريف. وهذا التأثر أدى إلى التوسع في المفهوم، والخروج به عن القصد الذي أريد منه. ومع توسع المفهوم توسعت الأهداف، ولم تعد مقصورة على مجرد إدخال غير النصارى في النصرانية. كما أنه صار لها مفهوم خاص بالمجتمعات المسلمة، إذ يركز الآن على إخراج المسلمين من إسلامهم، أو يعمل على نزع ثقة المسلمين بدينهم ورسولهم محمد-  -. وقد دأب التنصير والمنصرون على ذلك بمؤازرة من عدة وسائل داخل بعضها في الرسالة التي يحملها المنصرون، وبعضها يدخل في طبيعة الناس الذين يستهدفون بالتنصير من فقراء وجهلة ومرضى، كما يدخل جزء منها في عوامل مساندة كالاحتلال ( الاستعمار) والاستشراق والصهيونية، وبعض الضعفاء من المسؤولين المسلمين، ومن المسلمين أنفسهم. ولم يقف المسلمون مكتوفي الأيدي من حملات التنصير فقاوموها، وإن كانت المقاومة على غير مستوى الحملات من نواح عدة. ولكن مبدأ المقاومة كان موجودًا، ولا يزال قائمًا مع اختلاف في القوة وفي النظرة إلى النصارى والمنصرين، تبعًا للحال التي وصل إليها المسلمون. ومع تنامي ظاهرة العودة إلى الإسلام على مختلف المستويات، وبين الشباب على أوضح الصور، يتنامى الوعي بما يواجه الأمة من تحديات وتيارات، ومن بينها التنصير، فيزداد الوعي بالخطر، مما يؤدي إلى زيادة التوكيد على المواجهة بإحلال البديل الصالح، وليس بالضرورة للتصدي للتنصير من منطلق الدفاع واتقاء الهجمات، بل إن المواجهة تسعى الآن - بفضل من الله - إلى سد الطريق على الذين يحاولون تحقيق أهداف التنصير في المجتمعات المسلمة. ومع وجود هذه الخطوات، والتآزر على تحقيقها، تظل المسافة بعيدة عن الوصول إلى الهدف الأول وهو الحماية التامة للمجتمع المسلم، ثم نشر الإسلام.( ) وأظن أن المسلمين سيظلون عرضة لحملات التنصير مع الوقت. وسيظل الصراع بين الخير والشر مستمرًا. وسيحُدِث تنبه المسلمين لهذه التحديات تغييرًا في الوسائل والخطط والنظرة إلى المجتمع المسلم الذي لن يكون كما كان عليه في مطلع القرن الميلادي العشرين المنصرم، حيث نوقشت فيه النتائج التي توصل إليها المنصرون آنذاك. ولن يكون كما كان عليه قبل خمسين سنة مضت، أو عشرين سنة مضت، حيث نوقشت فيها خطط جديدة في مؤتمر كلورادو. وأظن أن مؤتمرات تنصيرية قريبة الحدوث، ستكون فيها دراسات حديثة حول الوسائل والخطط التي تتماشى مع النظام العالمي الجديد بعد انتهاء الحرب الباردة، والنـزوع إلى العولمة الاقتصادية والثقافية. ( ) وأظن أن نشاطًا تنصيريًا سيفتح لـه الباب الشرقي على مصراعية، حيث يُتوقَّع أن تنشط الأرثودوكسية في منافسة الطائفتين الآخرين الكاثوليكية والبروتستانتية على جلب أكبر قدر ممكن من الأنصار. وسيكون النشاط الأرثودوكسي أقوى من النشاطين الآخرين في محاولات للتكفير عن الماضي، يوم أن كانت قوى الأرثودوكسية لا تتمتع بالحرية التي تتمتع بها الطائفتان الأخريان. وفي الوقت نفسه ستنشط الطوائف الأخرى في دخول السباق لكسب مزيد من الأنصار، وتحقيق مزيد من الأهداف. وفي ظل هذه التطورات يؤمل ألا يعول كثيرًا على مجرد المؤشرات الحسنة التي ظهرت على الساحة الإسلامية، بل لابد مع هذا من تكثيف الجهود في مواجهة الحملات التنصيرية، واتخاذ الوسائل الحديثة في سبيل المواجهة. ويتوقع ألا يقتصر المسلمون على مجرد أنهم هم الذين على الحق، فيكتفوا بالدعوة وسيلة من وسائل المواجهة فقط، فإن علم الداعية بالحق لا يعني بالضرورة علم المحيطين به عنه بمجرد إعلامهم به. ومواجهة التنصير تدخل في إطار الصراع بين الحق والباطل، ولذا فإنه يُتوقع للمواجهة الاستمرار، مع الاستمرار في تقويم الأهداف والأساليب والوسائل والخطط والاستراتيجيات والنتائج. وفي سبيل خطوات عملية في استمرار المواجهة وتنظيمها أضع بعض المرئيات القابلة - في نظري - للتنفيذ على الواقع، ويأتي من أهمها: أولاً: التوعية: استمرار التوعية بأخطاء التنصير والمنصرين على المجتمع المسلم، مهما اعتقد هذا المجتمع أنه محصن من هذه الهجمات. والتوعية تأخذ أشكالاً عدةً مثل المحاضرات العامة، والأحاديث الإعلامية، والكتابات الصحفية وغيرها من الأشكال. ثانيًا: هيئة إسلامية: إنشاء هيئة إسلامية عامة لمواجهة التنصير تقوم برصد أوجه نشاطه، وتسهم في تحقيق النقطة الأولى باتخاذ السبل المناسبة والمتاحة لها كالمؤتمرات والندوات والجولات والنشر وغيرها. ثالثًا: الدورية: إصدار دورية متخصَّصَة بالدراسات العلمية التنصيرية، تنشرها إحدى المؤسسات العلمية الإسلامية، وتنشر موضوعاتها بأكثر من لغة من لغات العالم، وتتخذ السبل في سبيل صدورها من تأمين التمويل المادي واستكتاب المهتمين. رابعًا: البحوث: التركيز على البحوث والدراسات التنصيرية في الجامعات والمعاهد العليا، لاسيما في أقسام الثقافة الإسلامية أو الدراسات الإسلامية في الجامعات العربية والإسلامية، ويسبق هذا قيام مراكز معلومات تتبنى تقنية المعلومات الحديثة في التعامل مع المعلومات المحدثة جمعًا وتخزينًا واسترجاعًا وبثًا. خامسًا: الدعاة: التكثيف من إرسال الدعاة إلى الله تعالى في المجتمعات الشبابية أولاً، وغير الشبابية ثانيًا. ويكون هؤلاء الدعاة على قدر من العلم والفقه بما يعلمون، والفقه بما سيواجهون من مجتمعات إسلامية لها خصوصياتها التي تميزها عن غيرها من المجتمعات الإسلامية الأخرى، وذلك على غرار ما تقوم به المؤسسات الإسلامية, في المملكة العربية السعودية وغيرها في شهر رمضان المبارك، والعطلة الصيفية للمدارس والجامعات، ففي هذه الدورات خير كثير. سادسًا: الإغاثة: التكثيف من أعمال الإغاثة في المجتمعات المسلمة الفقيرة، وتقديم البديل الصالح في المجالات الطبية والتعليمية والإغاثة الأخرى. والعمل على التوكيد على التنسيق بينها، وأنها لا تتنافس فيما بينها ولا تنافس الهيئات الإغاثية التنصيرية والدولية، بل هي تسعى إلى القيام بواجبات المسلمين تجاه المسلمين أولاً، ثم تجاه الأكباد الرطبة الأخرى ثانيًا، بل ربما عملت على أنها تغيث الأكباد الرطبة عامة دون تمييز، ففي كل كبد رطبة أجر. سابعًا: السياسة: لا بد من تدخل الهيئات الرسمية من الحكومات الإسلامية والمنظمات الرسمية في هذه المواجهة بتقديم ما يعنيها في هذا المجال من الدعم المادي والمعنوي لأعمال المواجهة المختلفة، وفي الوقت نفسه عدم التساهل مع الهيئات التي يشم من أعمالها رائحة التنصير، وهي تعمل في المحيط الإقليمي لهذه الهيئات، ويعالج ذلك بمواجهة قوية وحكيمة ومباشرة. ثامنًا: المنــح: تتحمل الجامعات الإسلامية وظيفة تربوية مهمة، وهي مسؤولة أمام المجتمعات المسلمة، الفقيرة، ومعظم المجتمعات المسلمة فقيرة، بتقديم المنح لأبناء هذه المجتمعات في مقراتها أو في مؤسسات علمية في بلدانهم. وتقديم الطاقات البشرية العالمة لتوجيه الشباب التوجيه السليم. تاسعًا: المسلمون: المسؤولية مشتركة. وكل مسلم يتحمل جزءًا منها، فليس من الحكمة أن تحصر مسؤولية المواجهة وتقديم البديل الصالح على حكومات أو مؤسسات أو أفراد دون حكومات أخرى أو مؤسسات أو أفراد. وتبدأ المسؤولية من مفهوم الرعاية انطلاقًا من البيت، ثم إلى مؤسسات المجتمع المسلم المختلفة، العلمية والتربوية، والتجارية الاقتصادية، والصناعية، والسياسية والدعوية والإغاثية وغيرها. والتحديد بجهات بعينها قد ينظر إليه على أنه إغفال لجهات هي ألصق بمجالات المواجهة، ولذا تعمم المسؤولية، كما أن التحديد بجهات قادرة بعينها دون سواها مدعاة لتعليق المسؤولية على هذه الجهات فقط من منطلق التهرب من المسؤولية المناطة بالجميع دون استثناء، وكل مطالب بتقوى الله تعالى، وكل لديه القدرة على قدر من التقوى. عاشرًا: التميُّز: الإصرار على التميُّز عن العالم الآخر، ليس بحكم العرق أو اللون أو الإقليم، ولكن بحكم الانتماء العقدي الذي يفرض مسألة الانتقاء في الأفكار والمفهومات والثقافات المستوردة، فيعرضها على معيار الكتاب والسنة ومصادر التشريع الأخرى، فيقبل منها ما لا يتعارض مع المعيار، ويلفظ ما لا يتناسب معه. ولا ينطبق هذا على الأفكار والثقافات والمفهومات فحسب، بل يشمل كل مقومات الحياة الاجتماعية والإنسانية والتقنية على حدٍّ سواء. ومما تدعو لـه النقطة السابقة إيجاد البدائل التي تخفف دائمًا من الاعتماد على الآخرين في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية والعلمية التطبيقية والبحتة والتقنية، بحيث لا يستمر المجتمع المسلم عالة على المجتمعات الأخرى في هذه المجالات، وإن بقي هذا المجتمع متواصلاً مع العالم الآخر تواصلاً تفرضه الحالة التي يعيشها العالم اليوم. والتي تؤكد عمليًا على التواصل. حادي عشر: العلم: والمجتمع المسلم اليوم قادر من وجوه متعددة على الاكتفاء الذاتي أولاً، ثم الإسهام في التقدم العلمي العالمي الموجه ثانيًا. ولا مبالغة في هذه النقطة بحال، فالطاقات العلمية والموارد البشرية الأخرى والموارد الطبيعية والسوق وغيرها من مقومات النهوض كلها موجودة - بفضل الله تعالى- وتبقى مسألة توظيف هذه الطاقات. وتوظيفها اليوم أحسن وأفضل بكثير من توظيفها بالأمس، وفي هذا تشغيل للطاقات المسلمة من جهة، واستغناء عن الطاقات الأجنبية من جهة أخرى، مع التوكيد، كذلك, على الاتصال بالعالم الآخر واحترام الاتفاقيات الدولية، وعدم إثارة الآخرين على المجتمع المسلم أكثر مما هم مثارون عليه الآن. ثاني عشر: المبادرات: ولا بد أخيرًا من التوكيد على الابتعاد عن ردود الأفعال، والاستعداد لكل نائبة متوقعة من نوائب الدهر عن طريق استشراف المستقبل، والتخطيط المسبق، والنظـرة بعيدة المدى، فنحن مستخلفون في هـذه الأرض، فنعد لها عدتـها، ليس على أنها دار قرارانـا، ولكن على أننا مطالبـون بعمارتها. ولا تعـارض بين المفهومـين، إذ إن مفهومنا يقوم على غرس فسيلة النخيل والقيامة تقوم. وختامـًا أرجو أن أكون بهذا العمل قد أسهمت بجهد المقل في وسيلة من وسائل مواجهة التنصير من خلال التعريف به، والتعرف على وسائله، واقتراح سبل مواجهته، فإن أكن قد وفقت في هذا ففضل من الله تعالى علي ومنَّة، وإن أكن قصرت دون المتوقع فمن نفسي. ومهما يكن من أمر فكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم محمدًا -  -. وأدعو الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين. * * ** * *   قائمة وراقية بالمراجع الأساس آمال قرامي. قضية الردة في الفكر الإسلامي الحديث.- تونس: دار الجنوب للنشر، 1996م.- 117ص. آمنة محمد نصير. قراءة علمية من أوراق الاستشراق والتبشير.- الإسكندرية: دار المعرفة الأزهرية، 1422هـ- 2001م.- 157ص. أ. ل. شاتليه. الغارة على العالم الإسلامي.- لخصها ونقلها إلى العربية محب الدين الخطيب ومساعد اليافي.- بيروت: مكتبة أسامة بن زيد، د. ت..- 109ص. إبراهيم خليل أحمد. محاضرات في مقارنة الأديان.- ط2.- القاهرة: دار المنار، 1412هـ-1992م. إبراهيم الزين صغيرون." لمحات تاريخيـــة عن انتشــــار الإســـلام في أوغندا".- مجلة كليــــة العلـوم الاجتماعية (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية).- ع6 (1402هـ- 1982م).- ص: 17-19. إبراهيم السليمان الجبهان. مايجب أن يعرفه المسلم من حقائق عن النصرانية والتبشير.- الرياض: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتـاء والدعـوة والإرشـاد، 1404هـ.- 112ص. إبراهيم عكاشة علي. التبشير النصراني في جنوب السودان وادي النيل.- القاهرة: دار العلوم، 1982م. إبراهيم عكاشة علي. "علم التبشير: مناهجه وتطبيقاته". مجلة كلية العلـوم الاجتماعية (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية).- ع5 (1401هـ-1981م). ص: 125-150. إبراهيم عكاشة علي. ملامح عن النشاط التنصيري في الوطن العربي.- الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1407هـ- 1987م.- 176ص. إبراهيم محمـود. " المسيحية والإسلام: تطورات متخيلة ورهانات سياسية".- الاجتهاد ع30 ( شتاء 1416هـ/1996م).- ص 165-203. أبو هلال الأندونيسي.غارة تبشيرية جديدة على إندونيسيا.- ط4.- جدة: دار الشروق، 1404هـ-1984م.- 191ص. ابن الأثير، علي بن محمد الجزري، عز الدين أبو الحسن. أسد الغابة في معرفة الصحابة.- 6 مج.- د.م.: دار الفكر، د.ت. أحمد ترمس. "المسيحية والإسلام في مصر (وليم سليمان قلادة)".- الاجتهاد. ع30 (شتاء1416هـ/1996م).- ص235-243. أحمد حمود المعمري. عُمان وشرق أفريقية.- ترجمة محمد أمين عبدالله.- عمان: وزارة التراث القومي والثقافة، (1980م).- 160ص. أحمد شلبي. الحروب الصليبية: بدؤها مع مطلع الإسلام واستمرارها حتى الآن؛ عرض للهجمات الصليبية الغربية على العالم الإسلامي عبر العصور.- القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، (1406هـ-1986م).- 224ص. أحمد شلبي. مقارنة الأديان: 2 - المسيحية.- ط6.- القاهرة: مكتبة نهضة مصر، 1982م.- 303ص. أحمد عبدالرحيم السايح. في الغزو الفكري.- الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1414هـ.- 158ص.- (سلسلة كتاب الأمة/38).- أحمد عبدالوهاب. التغريب: طوفان من الغرب.- القاهرة: مكتبة التراث الإسلامي، 1411هـ-1990م.- 48ص. أحمد عبدالوهاب. حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر.- القاهرة: مكتبة وهبة، 1401هـ-1981م.- 224ص. أسعد عبدالرحمن. المنظمة الصهيونية العالمية 1882-1982م.- ط2.- بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1990م.- 272ص. إسماعيل مظهر. "تاريخ الفكر العربي بالترجمة والنقل من الثقافة اليونانية-1".- المقتطف.- مج66 ع2 (3/3/1925م).- ص141-149. الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي. رابطة العالم الإسلامي: عشرون عامًا على طريق الدعوة والجهاد.- مكة المكرمة: الأمانة العامة، 1401هـ-1981م. أندريه نايتون وإدغار ويند وكارل غوستاف يونغ. الأصول الوثنية للمسيحية.- ترجمة سميرة عزمي الزين.- د.م.: المعهد الدولي للدراسات الإنسانية، 1411هـ-1991م.- 166ص.- (سلسلة من أجل الحقيقة/4). أنيس صايغ. لبنان الطائفي.- بيروت: دار الصراع الفكري، 1955م. توفيق سلطان اليوزبكي. تاريخ أهل الذمة في العراق (12- 247هـ).- الرياض: دار العلوم، 1403هـ-1983م.- 480ص. جاك مندلسون. الرب والله وجوجو: الأديان في أفريقيا المعاصرة.- ترجمة إبراهيم أسعد محمد.- القاهرة: دار المعارف، 1971هـ. جلال العالم. قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام أبيدوا أهله.- ط2.- (طرابلس الشام: المؤلف)، 1395هـ-1975م.- 64ص. جورج خليل." الأقباط في مصر الحديثة: نظرة في النزاعات القبطية في الأربعينات والخمسينات".- الاجتهاد ع30 (شتاء1416هـ/1996م).- ص103-132. جورج ليونارد كاري." تحديات العلاقات بين الديانات الكبرى".- الاجتهاد ع30 (شتاء1416هـ/1996م).- ص 205-215. ابن حزم الظاهري، أبو محمد علي بن أحمد. الفصل في الملل والنحل.- 5 مج.- د.م.: دار الفكر، 1400هـ-1980م. حسن ضياء الدين عتر. وحي الله: حقائقه وخصائصه في الكتاب والسنة، نقض مزاعم المستشرقين.- دمشق: دار المكتبي، 1419هـ- 1999م.- 253ص. حسن مكي محمد أحمد. التبشير المسيحي في العاصمة المثلثة.- الخرطوم: الدار الوطنية للطباعة والنشر، 1982م. حسن الممَّي. أهل الذمة في الحضارة الإسلامية.- تقديم الشاذلي القليبي.- بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1998م.- 203+3ص. خالد البسام، معد ومترجم. صدمة الاحتكاك: حكايات الإرسالية الأمريكية في الخليج والجزيرة العربية 1892-1925م.- بيروت: دار الساقي، 1998م.- 203ص. خالد البسام، معد ومترجم. القوافل: رحلات الإرسالية الأمريكية في مدن الخليج والجزيرة العربية 1901-1926م.- البحرين: (مؤسسة الأيام للصحافة والنشر)، 1992م.- 206ص. دون م. ماكوري، محرر. التنصير: خطة لغزو العالم الإسلامي.- د.م.: د. ن.، د. ت.- 915ص. رؤوف شلبي. يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء.- ط2.- القاهرة: دار الاعتصام، 1400هـ-1980م.- 335ص. ريتشارد هرير دكمجيان. الأصولية في العالم العربي.- ط2.- ترجمة عبدالوارث سعيد.- المنصورة: دار الوفاء، 1410هـ- 1989م.- 308ص. سالمة بنت السيد سعيد بن سلطان، سلطان مسقط وزنجبار. مذكرات أميرة عربية.- عُمان: وزارة التراث القومي والثقافة، 1406هـ-1985م.- 320ص. سعيد عاشور. الحركة الصليبية.- 2مج.- القاهرة: مكتبة الأنجلو- المصرية، 1976م. صالح مسعود أبو بصير. جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن.- بيروت: دار الفتح للطباعة والنشر. طارق عبدالباقي منينة (ابن الشاطئ). جماعة شهود يهوه.- ج2: العقيدة، الأسطورة، تحريف الآيات وتبديلها.- الإسكندرية: دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع، 1418هـ- 1998م.- 317ص. عبدالجليل شلبي. معركة التبشير والإسلام: حركات التبشير والإسلام في آسيا وأفريقيا وأوروبا.- القاهرة: مؤسسة الخليج العربي، 1409هـ-1989م.- 317ص. عبدالرحمن بدوي. موسوعة المستشرقين.- ط 3.- بيروت: دار العلم للملايين، 1993م.- 640ص. عبدالرحمن بن حمود السميط. لمحات عن التنصـير في أفريقيا.- الكويت: د.ن, بعد 1420هـ/2000م.- 64ص. عبدالرزاق دياربكرلي. تنصير المسلمين: بحث في أخطر استراتيجية طرحها مؤتمر كولورادو التنصيري.- ط2.- الرياض: دار النفائس، 1411هـ-1991م.- 157ص. عبدالسلام هارون. تهذيب سيرة ابن هشام.- ط3.- د. م.: المؤسسة العربية الحديثة، 1396هـ-1976م.- 471ص. عبدالعزيز بن إبراهيم العسكر. التنصير ومحاولاته في بلاد الخليج العربي.- الرياض: مكتبة العبيكان، 1414هـ- 1993م.- 98ص. عبدالعزيز الكحلوت. التنصير والاستعمار في إفريقيا السوداء.- ط2.- طرابلس: كلية الدعوة الإسلامية، 1412هـ- 1992م.- 132ص. عبدالعظيم رمضان. الصراع بين العرب وأوروبا من ظهور الإسلام إلى انتهاء الحروب الصليبية.- القاهرة: دار المعارف، 1983م.- 551ص. عبدالعليم عبدالرحمن خضر. الإعلام العربي والمؤامرة على الإسلام في أفريقيا.- مكة المكرمة: رابطة العالم الإسلامي، 1418هـ.- 202 ص.- ( سلسلة دعوة الحق/ 182). عبدالفتاح أحمد أبو زايدة. التبشير الصليبي والغزو الاستعماري.- مالطا: منشورات رسالة الجهاد، 1988م.- 147ص. عبدالله الأحسن. منظمة المؤتمر الإسلامي: دراسة لمؤسسة سياسية إسلامية.- ترجمة عبدالعزيز إبراهيم الفايز.- هيرندن، فيرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1410هـ/1990م. عبدالله التل. جذور البلاء.- ط3.-بيروت: المكتب الإسلامي، 1408هـ- 1988م.- 280ص. عبدالله بن صالح الفارسي، الشيخ، كبير قضاة كينيا. البوسعيديون حكام زنجبار.- عُمان: وزارة التراث القومي والثقافة، 1982م.- 176ص. عبدالله علي العليان. الاستشراق بين الإنصاف والإجحاف.- الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2003م.- 143ص. عبدالله محمد جمال الدين. المسلمون المنصرون أو المورسكيون الأندلسيون: صفحة مهملـة من تاريخ المسلمين في الأندلــس.- القاهرة: دار الصحوة، 1991م.- 540ص. عبدالمجيد شرفي. الإسـلام والحداثة.- ط3.- تونس: دار الجنوب، 1998م.- 230ص. عبدالملك التميمي. التبشير في منطقة الخليج العربي: دراسة في التاريخ الاجتماعي والسياسي.- الكويت: شركة كاظمة، 1982م.- 335ص. عبدالودود شلبي. حقائق... و...وثائق: دراسة ميدانية عن الحركات التنصيرية في العالم الإسلامي.- جـدة: الدار السعودية للنشر والتوزيع، 1409هـ-1989م.- 170ص. عبدالودود شلبي. الزحف إلى مكة: حقائق ووثائق عن مؤامرة التنصير في العالم الإسلامي.- القاهرة: الزهراء للإعلام العربي، 1409هـ-1989م.- 168ص. عثمان الكعاك. "صفحـات سوداء من تاريـخ التبشير".- الهلال.- مج81 ع10 (أكتوبر 1973م_ رمضان1393هـ).- ص: 38-50. عجاج نويهض. بروتوكولات حكماء صهيون: نصوصها، رموزها، أصولها التلمودية.- ط3.- بيروت: دار الاستقلال، 1990م.- 644ص. عدنان محمد عبدالعزيز وزَّان. فكر التنصير في مسرحيات شكسبير.- الرياض: دار اشبيلية، 1419هـ- 1998م.- 311ص. عصام عبده. "ولا يزال التنصير مستمرًا". المجاهد مج 4 ع 43 (ذوالحجة/ 1412هـ).- ص 12-17. علال الفاسي. "التبشير أخطر أسلحة الاستعمار".- الهلال مج 81، ع 10 (أكتوبر 1973م- رمضان 1393هـ).- ص 60-80. علي بن إبراهيم الحمد النملة. "الاستشراق في خدمة التنصير واليهودية".- مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.- ع3 (7/1410هـ- 2/1990م).- ص: 237-273. علي بن إبراهيم الحمد النملة. ظاهرة الاستشراق: مناقشات في المفهوم والارتباطات.- الرياض: مكتبة التوبة، 1423هـ/2003م.- 210ص. علي بن إبراهيم الحمد النملة. المستشرقون والتنصير: دراسة للعلاقة بين ظاهرتين، مع نماذج من المستشرقين المنصــرين.- الريـــاض: مكتبة التوبة، 1418هـ-1998م.- 178ص. على بن إبراهيم الحمد النملة." المستشرقون والصحوة "الأصولية". في: ندوة مصادر المعلومات عن العالم الإسلامي التي عقدت في رحاب مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض في المدة من 22 إلى 25/7/1420هـ. 31/10-3/11/1990م.-وهي تمثل الفصل الرابع من الباب الثاني من كتاب: ظاهرة الاستشراق: مناقشات في المفهوم والارتباطات. علي بن إبراهيم الحمد النملة. المستشرقون ونشر التراث.- ط2.- الرياض: مكتبة التوبة، 1424هـ-2003م. علي بن محمد عودة الغامدي. "الراهب الفرنسيسكاني ريموند لول ومحاولاته نشر النصرانية في شمال إفريقية".- مجلة المؤرخ العربي مج1 ع6 (مارس 1998م).- ص 133-168. عمر فروخ. "الاستشراق في نطاق العلم وفي نطاق السياسة".- في: المستشرقون والإسلام.- تأليف نخبة من العلماء المسلمين.- جدة: دار المعرفة، 1405هـ-1985م.- ص: 125-143. فايز سارة." العلاقات الإسلامية المسيحية: فلسطين نموذجًا".- الاجتهاد ع30 (شتاء 1416هـ/1996م).- ص149-164. فراج الشيخ الفزاري. شبهات حول الاستشراق.- الدوحة: دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، 1420هـ- 2000م.- 127ص. فريد د. أُكوورد. "الإرسال الإذاعي الحالي الموجه إلى المسلمين".- في: التنصير: خطة لغزو العالم الإسلامي.- تحرير دون م. ماكوري.-د. م.: د. ن.، د. ت.- ص562-581. ابن كثير، أبو الفداء، الحافظ. البداية والنهاية.- دقق أصولـه وحققه أحمد أبو ملحم وآخرون.- 8مج.- القاهرة: دار الريان للتراث، 1408هـ-1988م. كرم شلبي. الإذاعات التنصيرية الموجهة إلى المسلمين العرب.- القاهرة: مكتبة التراث الإسلامي، 1412هـ-1991م.- 232ص. كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية، جامعة الأزهر. العولمة وموقف الفكر الإسلامي منها. الإسكندرية: الدار المصرية، [2000م].- 273ص. محمد أبو زهرة. محاضرات في النصرانية: تبحث في الأدوار التي مرت عليها عقائد النصارى وفي كتبهم وفي مجامعهم المقدسة وفرقهم.- ط4.- الرياض: الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1404هـ.- 239ص. محمد أمــير يـــكن. يهوذا الأسخريـــوطي على الصلـــيب.- مالطــــا: دار إقــرأ، (1410هـ) 1990م.- 342ص. محمد الجوهري حمد الجوهري. العولمة والثقافة الإسلامية.- القاهرة: دار الأمين، 1422هـ- 2002م.- 184ص. محمد بن سليمان الخضيري. "السياسة والتنصير في شرق أفريقيا في القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي)".- مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.- ع19 (جمادى الأولى 1418هـ- سبتمبر 1997م).- ص 485-553. محمد السيد الجليند. الاستشراق والتبشير: قراءة تاريخية موجزة.- القاهرة: دار قباء، 1999م.- 132ص.- (سلسلة تصحيح المفاهيم/3). محمد الطالبي. أمة الوسط: الإسلام وتحديات المعاصرة.- تونس: سراس للنشر، 1996م.- 168ص. محمد طاهر التنير. العقائد الوثنية في الديانة النصرانية.- نشره وعلق عليه ونقحه وقدم لـه محمد بن إبراهيم الشيباني.- الكويت: مكتبة ابن تيمية، 1408هـ-1987م.- 156ص.- (سلسلة ملل ونحل/4). محمد عبدالقادر الفقي. حوار ساخن مع داعية العصر أحمد ديدات.- القاهرة: مكتبة القرآن، 1992م.- 80ص. محمد بن عبدالوهاب وعبدالله بن محمد بن عبدالوهاب. مختصر سيرة الرسول - -.- الرياض: مكتبة الرياض الحديثة، د.ت.- 512ص. محمد عثمان بن صالح. النصرانية والتنصير أم المسيحية والتبشير: دراسة مقارنة حول المصطلحات والدلالات.- المدينة المنورة: مكتبة ابن القيم، 1410هـ-1989م.- 69ص. محمد علي أبو حمده. الأخطبوط الصهيوني رأي العين.- عمان: مكتبة الرسالة، 1403هـ- 1983م.- 123ص. محمد مؤنس عوض. الجغرافيون والرحالة المسلمون في بلاد الشام زمن الحروب الصليبية.- القاهرة: عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، 1995م. محمد ياسين عريبي. الاستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي: نقد العقل التاريخي-1-.- الرباط: المركز القومي للتراث والثقافة، 1991م. مروان محمد (مراجع)."العلاقات المسيحية الإسلامية في أفريقيا (ليسي راسمسون).- الاجتهاد ع30 ( شتاء1416هـ/1996م).-ص 269-288. مصطفى خالدي وعمر فروخ. التبشير والاستعمار في البلاد العربية: عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى إخضاع الشرق للاستعمار الغربي. بيروت: المكتبة العصريـة، 1983م.- 279ص. مصطفى فوزي غزال. الحيل والأساليب في الدعوة إلى التبشير.- د.م.: د.ن، د.ن.- 107ص. ممدوح حسين. مدخل إلى تاريخ حركة التنصير.- عمان: دار عمار، 1416هـ-1995م.- 98ص. الموسوعة العربية الميسرة.- إشراف محمد شفيق غربال.- القاهرة: دار الشعب ومؤسسة فرانكلين، د.ت. ميلاد حنا. "الكنيسة القبطية بين المحافظة والتحديث".- الاجتهاد ع30 (شتاء 1416هـ/1996م).- ص 131-148. نجيب العقيقي. المستشرقون.- 3مج.- ط4.- القاهرة: دار المعارف، 1981م. الندوة العالمية للشباب الإسلامي.الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة.- ط2.- الرياض: الندوة ، 1409هـ-1989م.-576ص. وليم سليمان قلادة. المسيـحية والإسلام في مصر ودراسات أخرى.- ط2.- القاهرة: دار سينا للنشر، 1993م. هـ. كونري زيقلر. أصول التنصير في الخليج العربي: دراسة ميدانية وثائقية.- ترجمة مازن صلاح مطبقاني.- المدينة المنورة: مكتبة ابن القيم، 1410هـ-1990م.- 195ص. هاريسون، (بول). رحلة طبيب في الجزيرة العربية.- ترجمة محمد أمين عبدالله.- عمان: وزارة التراث القومي والثقافة، 1406هـ-1986م.- 116ص. هيم ماكبي. بولس وتحريف المسيحية.- ترجمة سميرة عزمي الزين.- د.م.: المعهد الدولي للدراسات الإنسانية، 1411هـ-1991م.- 103ص.- (سلسلة من أجل الحقيقة/3). يوسف القرضاوي. هموم المسلم المعاصر.- إعداد وحوار ياسر فرحات.- القاهرة: مكتبة التراث الإسلامي، 1989م.- 176ص. * * ** * *

تعليقات

التنقل السريع