القائمة الرئيسية

الصفحات

ملف حول أسباب تفشي ظاهرة الهجرة السرية (الحريك)

 
تعد ظاهرة الهجرة السرية.. أو غير الشرعية.. أو غير المشروعة.. أو الحريك.. سميها كيفما تشاء فالمهم أنها تعتبر أحد أخطر الآفات التي تهدد الأمن القومي واستقرار المملكة المغربية، وذلك لأنها تستنزف منه الشباب في مقتبل العمر، وكما نعلم فأمة بلا شباب هي بالتأكيد بلا مستقبل، كما أن هؤلاء الشبان المغاربة الذين ينخدعون في وهم "الحلم الأوروبي" يدفعون حياتهم ثمنًا لهذا الوهم، فيتركون جرحًا غائرًا في صدور أهلهم وحكومتهم، كما أن بعضهم يتم استقطابه من قبل الجماعات المتطرفة، ليتحول إلى "قنبلة موقوتة" تهدد أمن بلده من الداخل بعد سنوات من الفرار ثم العودة للوطن، أو يتحول إلى رمز سييء لشباب وطنه عندما يشترك في عمليات إرهابية بإحدى الدول الغربية ليتصدر اسمه صحف ووسائل الإعلام العالمية التي تنهش في كرامة المغرب لأن أحد أبنائه قد تحول إلى "إرهابي".

"الهجرة السرية".. خطر على الأمن القومي 

وهكذا نجد أن "الهجرة السرية" ظاهرة تمثل خطرًا شديدًا من أكثر من جانب على المملكة المغربية وشعبها، ولذلك فإنه يجب أن يتم التصدي لتلك الظاهرة الحساسة، والتي كلما تحدثنا عنها لا بد وأن نستحضر في أذهاننا الكثير مما خلفته من مآسي وكوارث وأحزان، في صفوف واحدة من أكبر شرائح المجتمع المغربي، وهي شريحة الشباب، فكم من غريق وشهيد ودعهم الشعب المغربي، راحوا ضحايا لتلك الظاهرة اللعينة، وكم من شاب افتقدته المملكة المغربية من وقود مستقبلها وتنميتها بسبب "الحريك" كما يطلقون علي تلك الآفة في المغرب العربي، أليس الشباب هم قاطرة التنمية التي يعتمد عليها أي مجتمع، انطلاقاً من مبدأ كون الإنسان هو عصب التنمية والشباب هم قاطرتها؟!

 

 تحليل تاريخ ظاهرة الهجرة السرية

وحتى لا نغرق – كما غرق الشباب المغربي – في كلام إنشائي حول تلك الظاهرة اللعينة، فإننا يجب أن نوضح أنه لا يمكن دراسة ظاهرة الهجرة السرية، إلا إذا تناولناها من خلال تحليل شمولي، يتم من خلاله مراعاة الظروف العامة والخاصة في المجتمع المغربي، سواء من الناحية الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية، وبالطبع السياسية، كما أن الأمر يتطلب منا أن نقوم أيضًا باستعراض الظروف التاريخية، والتي نتج عنها تفشي تلك الظاهرة بين الشباب المغربي، ولنبدأ بتوضيح أن "ظاهرة الهجرة" ليست حكر على مجتمع بعينه أو دولة بعينها، أو ترتبط بزمان ما أو عصر أو عهد محدد، بل إنها ظاهرة كونية، ترتبط بالطبيعة البشرية، فالإنسان الأول "البدائي" كان ينتقل من مكان لآخر بحثًا عن "الفرصة المثالية أو الحياة الأفضل"، وهذا ما تؤكده الشواهد التاريخية التي رصدت هجرات متتالية، على مر العصور الماضية انتقل خلال الإنسان في رحلة البحث عن مستقبل أفضل، وغالبًا ما كانت تلك الهجرات يخلف عنها أيضًا ضحايا نتيجة الاصطدام بظواهر الطبيعة وفي مقدمتها البحار والمحيطات، أقدم طرق السفر التي سلكها الإنسان للوصول إلى المناطق البعيدة باستخدام المراكب.

 أسباب الفشل في التصدي لظاهرة الهجرة السرية 

وبعد أن قمنا بتحليل "الهجرة السرية" تاريخيًّا، نستعرض في الأسطر التالية أسباب انتشارها وفشل الحكومات المتعاقبة في الحد منها، ولعل أول تلك الأسباب هو عدم تناول تلك الظاهرة إعلاميا ومجتمعيًا بالشكل الذي يتناسب مع خطورتها، أو لعل تفاقمها وما تخلفه من مآسي وكوارث تدمي القلوب، قد جعل منها حديثًا متكررًا كله بكاء وعويل، فلم يعد لدينا الوقت لكي نتناقش حول الظروف التي أدت إليها، كما أن نفس الأسباب قد حالت دون قدرتنا على إدراك ما يترتب عليها من مخاطر، كما أن من بين أسبابها عدم وجود تنمية بالشكل الكافي والمطلوب في المملكة المغربية، والتي تنجح في استيعاب طاقة كل هؤلاء الشباب، كما أن الساحة السياسية تفتقد إلى الكوادر الوطنية، والمؤهلة علميًا وأكاديميًا للوضع الخطط اللازمة للتصدي لتلك الظاهرة، وكذلك هؤلاء القادرين على تحويل هذا التخطيط إلى واقع يتم تنفيذه، ولعل تلك الفئة من الخبراء والمتخصصين، هي التي يقع على عاتقها إعداد البحوث والدراسات الدقيقة، حول هذه الظاهرة، لكي تضع الصورة كاملة أمام القيادة السياسية، فليس شرطًا أن تكون خطط مواجهة "التنمية البشرية" من إعداد جهات حكومية بل لا مانع من مشاركة كافة فئات المجتمع المغربي "مثل المنظمات غير الحكومية والأحزاب السياسية والكوادر الوطنية المستقلة وغيرهم"، فضلًا عن أن عدد من الحركات السياسية قد اكتفى باستخدام تلك الظاهرة كورقة ضغط على القيادة السياسية لتحقيق مكاسب شخصية، وظل يردد نغمة "هروب الشباب المغربي من وطنه" دون أن يشارك بجدية في التصدي لتلك الظاهرة التي ستكون عاقبتها وخيمة على المجتمع ككل وليس فئة بعينها.

 التصدي المغربي الرسمي لظاهرة الهجرة السرية 

أما على الصعيد الرسمي، فقد قامت القيادة السياسية بالتصدي من منظور مختلف بعض الشيء، فمع الحلول السياسية والأمنية التي تضعها الحكومة المغربية، فإنها قد استخدمت تلك الظاهرة كورقة سياسية خلال الخطاب الرسمي المتبادل بين المملكة المغربية والاتحاد لأوروبي، ولعل الهدف من ذلك هو أنه إذا كان ولا بد أن يقوم الشباب المغربي بالهجرة إلى أوروبا بحثًا عن فرصة أفضل، فإنه من الأفضل للجميع أن تتم تلك الهجرات "في النور والعلن"، وهذا ما تسعى إليه القيادة السياسية بشكل أو بآخر، وهذا ما ألمح إليه أحد المسئولين بالاتحاد الأوروبي، قائلًا: "أنا استشعر وضعية المغرب الذي أصبح بدوره بلد عبور، وبالتالي ضحية الهجرة السرية، يظل منفتحاً على كل حوار يهم موضوع تحديد النسب فيما يتعلق بالهجرة القانونية"، ولكن حتى الآن لم يتم تخفيف القيود المفروضة على الشباب المغربي ليدخلوا بلدان الاتحاد الأوروبي بشكل رسمي، على الرغم من وجود قناعة لدي جميع أطراف الأزمة بأن القضاء على "مافيا الهجرة غير الشرعية"، يستلزم التكاتف بين دول حوض البحر المتوسط (شماله وجنوبه) من أجل إيجاد حلول جوهرية وعادلة وآمنة تنهي تلك المآساة، التي يدفع الشباب المغربي حياته ثمنًا لاستمرارها.

 

 لماذا يفضل الشباب الموت على البقاء بوطنه؟ 

من أكثر الأمور اللافتة للنظر في ظاهرة "الهجرة السرية" أن هؤلاء الشباب المقبلين عليها، يعلمون علم اليقين بأن الموت أقرب إليهم من الوصول إلى "جنة أوروبا الموعودة"، وأنهم حتى لو وصلوا هناك سيجدون مجتمع عنصري، مليء بالتناقضات ولن يفتح صدره لاستقبالهم كما يظنون عندما يذهبون إليه دون رغبة حقيقية من قيادات تلك الدول في استقبالهم، ومع كل ما سبق فهو يخاطر ويقرر خوض "رحلة الموت"، فلماذا يفعل ذلك؟!!.. في الحقيقة إن هناك أطراف "خفية" تلعب على وتيرة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها دول المغرب العربي ومنها بالطبع المملكة المغربية، فيبدأون في بث "سمومهم" في آذان الشباب المغربي، من خلال رسائل تمت دراستها بشكل نفسي ومجتمعي تؤكد أن ما يحدث هو مخطط يستهدف استنزاف الطاقة الشبابية من مجتمعاتنا العربية، وكذلك أن الهدف من وراء نشر تلك الظاهرة ليس نبيلًا بالتأكيد، مستغلين ما تتميز به هذه الشريحة العمرية من ديناميكية وطموح وحيوية، والتي تصطدم بتعقيدات الحياة اليومية في أوطانهم وسط ما تعانيه من مشكلات اجتماعية، تحرمهم من تلك الحياة الكريمة التي يحلمون بها، وعندما يجد هؤلاء الشباب من يحدثهم عن تجارب سابقة انطلق أصحابها إلى بلدان أوروبا – بالطبع خلال فترة تعطشها للأيدي العاملة – وما حققوه من نجاحات، دون أن يخبروها بتطور الظرف التاريخي والاقتصادي والسياسي ما بين فترة "الهجرة التلقائية" والتي تواجدت خلال فترة "النهضة الصناعية بأوروبا"، وبين الوضع الحالي، فإن هؤلاء الشباب يظنون أن أوروبا ستكون "جنتهم المستقبلية"، ويجهلون أن الوضع قد تغير فعليًا وسياسيا بل وقانونيًا منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما تم توقيع اتفاقية (شنكن) والاتجااه إلى توحيد أوروبا، وما نتج عنها من اقتصار التوظيف على أبناء الاتحاد الأوروبي وإلغاء تشريعات استقدام العمالة الأجنبية من خارج أوروبا والتي كان معمولًا بها قبل ذلك.

تعليقات

التنقل السريع