القائمة الرئيسية

الصفحات

التلوث الغذائي غذاؤنا والتلوث البيئي لقد اتضح لنا جلياً مدى تحمس العديد من المستهلكين وفي مقدمتهم بعض العلماء والمفكرين لضرورة العودة إلى الطبيعة في مجال إنتاج غذاء الإنسان وتصنيعه وذلك كأسلوب آمن حسب اعتقادهم للتقليل من مخاطر المواد الكيميائية المستخدمة على نطاق واسع بالمجالين الزراعي والصناعي. كما تم التطرق وبإيجاز شديد إلى الأسلوب الذي يمكن اتباعه لتحقيق هذا المفهوم، ألا وهو نبذ الأساليب الحديثة في مجال الزراعة والصناعات الغذائية وعدم استخدام أية مواد كيمائية أياً كان نوعها والاقتصار على ما يعرف بالأغذية الطبيعية. وسنحاول التطرق بهذا الفصل إلى مدى إمكانية تحقيق حلم المستهلك في هذا المجال ومناقشة بعض التأثيرات المحتملة من جراء هذا الأسلوب الجذاب. 1- الجانب التقني : من الملاحظ أن تطبيق مفهوم الأغذية الطبيعية وفق التعريف السابق ذكره يعني ببساطة عدم الاستفادة من بعض المزايا الهامة التي من المفترض الحصول عليها من استخدام بعض الأسمدة أو الهرمونات أو المبيدات وغيرها من الابتكارات الحديثة في المجالين النباتي والحيواني، أي على المستوى الزراعي. وهذا بدوره سينعكس سلباً على معدلات النمو والإنتاج من حيث الكم بالإضافة إلى تأثيره الملحوظ والمتوقع على جودة الإنتاج، أي من حيث النوع. وبالتأكيد فإن ذلك يتعارض مع رغبة المستهلك في الحصول على إنتاج ذي جودة عالية سواء باستخدام المعايير الحسية (لون ونكهة، قوام ...الخ)، أو باستخدام المعايير الكيميائية كالقيمة الغذائية العالية أو ارتفاع نسبة بعض المكونات المرغوبة وانخفاض نسبة بعض المكونات غير المرغوبة أو الضارة وغيرها. كذلك الحال فيما يتعلق باستخدام بعض المواد الكيميائية بمجال الصناعات الغذائية فإن تبني مفهوم الأغذية الطبيعية تلبية لرغبات العديد من المستهلكين يعني عدم الاستفادة من المميزات التقنية المختلفة التي توفرها المضافات الغذائية. فخلال نصف قرن من الزمان أو يزيد تمكن الإنسان من ابتكار العديد من المواد الكيميائية التي ثبت بالتجربة بأن إضافتها إلى بعض المنتجات الغذائية بكميات قليلة نسبياً يؤدي إلى تحسين الخواص الحسية والتصنيعية لهذه المنتجات بالإضافة إلى مساهمتها في التقليل من المشاكل الناجمة عن النشاط الكيميائي والبيولوجي بها أثناء التخزين والتداول مما يؤدي إلى إطالة مدة بقائها دون فساد مقارنة بنظيرها من المنتجات التي لم تتم معاملتها بمثل هذه المواد. وتتمثل تلك المواد المشار إليها في العديد من المواد الملونة، والمواد المحسنة لقوام أو نكهة بعض المنتجات الغذائية بالإضافة إلى المواد الحافظة المختلفة خاصة تلك الأنواع المثبطة للنشاط الكيميائي (مضادات الأكسدة) والأنواع المثبطة للنشاط الميكروبي (مضادات النشاط الميكروبي) وغيرها. هذا وقد ارتبطت مثل هذه المواد بالصناعات الغذائية الحديثة حتى أصبحت جزءً لا يتجزأ منها وليس بالسهولة بمكان الاستغناء عنها دون التضحية ببعض الميزات الحسية أو التصنيعية التي يصعب الوصول إليها دون استخدام بعض تلك المواد. 2- الجانب النفسي : لاشك أن المستهلك وهو يلاحظ التشوهات العديدة ببعض الثمار، أو الأحجام القزمية بالبعض الآخر، أو عدم تجانس اللون بأنواع أخرى إلى غير ذلك من الملاحظات السلبية، سوف يعتريه نوع من النفور أو الاشمئزاز. ومما يضاعف من تقززه واشمئزازه رؤية منظر تلك البقع المختلفة، والثغرات أو الخدوش العديدة التي تتركها عادة الإصابات الحشرية والديدان الطفيلية والجرثومية على السطح الخارجي للثمار المصابة. وقد يكون ذلك أكثر وضوحاً وتأثيراً إذا ما قورنت تلك الأصناف التي يُـقال أنها طبيعية بنظيرها من المنتجات التي لم يتقيد أصحابها بالقيود المتعلقة بإنتاج وتسويق الأغذية الطبيعية، أي استعانوا ببعض المواد الكيميائية من أسمدة ومبيدات وهرمونات وغيرها أثناء مراحل الإنتاج المختلفة. وإزاء ذلك سوف يقف المستهلك حائراً متردداً بين خيارين هل يستجيب لرغبته الغريزية لكونه يميل إلى تفضيل المنتجات الجيدة، بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى وينسى أو يتغاضى ولو لحظياً عن المخاوف التي كانت تعتريه من بعض المواد المحتمل تواجدها بهذه المنتجات الجذابة؟ أم سوف يصمد ويقاوم رغباته وعواطفه ويمد يده لشراء وتناول تلك المنتجات الرديئة الجودة، وبكل ما تعني هذه الكلمة من معان وانطباعات سلبية لدى المستهلك المسكين!. هذا، مع عدم إغفال أن ذلك الصراع النفسي والتردد والحيرة سوف يتكرر عشرات المرات باليوم الواحد، أي كلما خطر ببال هذا المستهلك أو ذاك التفكير في شراء احتياجاته اليومية من بعض المنتجات الطازجة أو المصنعة أو كلما خطر بباله أن يتوقف بهذا المحل أو ذاك ليتناول بعض المأكولات الخفيفة أو كأساً من الشراب المنعش. إذ في جميع تلك الأحوال فإن هاجس المواد الكيميائية سوف يظل يراوده ويقض مضجعه وباستمرار ! 3- الجانب الصحي : إن الأمر الذي قد يجهله أو يتجاهله العديد من المستهلكين هو كون تجنب استخدام المنتجات الغذائية المسماة طبيعية قد تكون فعلاً كذلك، أي خالية من المواد الكيميائية - إن صدق مروجوها ”وهو أمر مشكوك فيه“ إلا أنها بالمقابل قد تحتوي على ما هو أخطر من هذه المواد وفيما يلي توضيح ذلك باختصار : 1. إن عدم استخدام العديد من الأدوية والمبيدات المختلفة لعلاج حيوانات المزرعة أو لمعاملة المنتجات الزراعية بالحقل، أو أثناء النقل والتخزين، يعني بالتأكيد تركها عرضة للإصابة بمختلف الأمراض الجرثومية والفطرية بالإضافة إلى بيوض ويرقات أو مخلفات العديد من الحشرات والطفيليات والقوارض وغيرها. وهذا يعني ببساطة أن تصبح هذه المنتجات مصدراً لنقل الأمراض الميكروبية والطفيلية المختلفة بالإضافة إلى احتمال احتوائها على العديد من السموم الفطرية والبكتيرية التي ثبت خطرها الشديد على صحة الإنسان والحيوان على حد سواء. 2. ومن الأخطار الصحية المحتملة الأخرى لما يسمى بالأغذية الطبيعية، ارتفاع محتواها النسبي من بعض المركبات السامة الطبيعية المنشأ (Natural Toxicans)، خاصة وأن تعرض هذه المنتجات أثناء الزراعة بالحقل أو أثناء النقل والتخزين إلى المهاجمة من قبل الحشرات والقوارض أو بعض الكائنات الدقيقة من شأنه أن يضاعف من فرصة تكون مثل تلك السموم المشار إليها، وهو أمر قد ثبت علمياً. فقد أشارت العديد من الدراسات ومنذ مطلع الستينات من القرن الماضي إلى أن العوامل المشار إليها تعمل مع غيرها من العوامل الأخرى على مضاعفة النشاط الحيوي داخل الأنسجة الحية (نباتية أو حيوانية) وبالتالي تحفيزها لإفراز المزيد من بعض المركبات الكيميائية ذات الطبيعة السمية وذلك بنسبة قد تبلغ عدة أضعاف مقارنة بنظيرها من الأنسجة غير المصابة من نفس المنتوج وتحت نفس الظروف البيئية المحيطة. وقد أطلق العلماء على مثل هذه المواد الناشئة عن تعرض الأنسجة الحية لبعض الضغوط غير الاعتيادية اسم (.(Metabolites Stress 4- الجانب الاقتصادي : إن التأثير الاقتصادي لتبني ما يعرف بمفهوم الأغذية الطبيعية يمكن النظر إليه من عدة جوانب وذلك كما يلي: 1- ارتفاع تكلفة الأغذية الطبيعية: من الآثار الاقتصادية السلبية الهامة على المستهلك فيما يتعلق بالاقتصار على الأغذية الطبيعية هو الارتفاع الباهظ في أسعار مثل هذه المنتجات مقارنة بنظيرها من المنتجات التقليدية المعاملة بالمواد الكيميائية وفق نظم وأساليب الزراعة الحديثة وبصورة اعتيادية. وتفسير ذلك كما يلي: أ- إن هذه المنتجات المسماة طبيعية وغير المعاملة بالمبيدات والأدوية وغيرها من المواد الكيميائية المفترض استخدامها بالمعاملات الزراعية على مستوى المزرعة، ستكون حتماً عرضة للإصابة بالآفات الزراعية المختلفة من بكتيرية أو فطرية أو فيروسية وغيرها بالإضافة إلى الحشرات والطفيليات المختلفة، والمحصلة النهائية لذلك وكما أشير إليه سابقاً، انخفاض حاد بالإنتاج كماً ونوعاً. هذا، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الفقد لهذه المنتجات واستمراره أثناء تسويقها على الصورة الطازجة بفعل عوامل الفساد الكيميائية والبيولوجية المعروفة. وهو أمر متوقع لعدم إمكانية استخدام العديد من المواد الحافظة المناسبة والضرورية لهذا الغرض، وذلك لكونها مواد كيميائية لا يحبذها المستهلك ويتنافى استخدامها مع مفهوم الأغذية الطبيعية الذي يتحتم على المسوق التقيد به. وقد قدرت العديد من الدراسات أن نسبة الفقد بالمنتجات الزراعية الطازجة بفعل النشاط الكيمائي والبيولوجي المشار إليه ما يقارب 15-30% أو يزيد. وقد ترتفع تلك النسبة إلى أكثر من ذلك بكثير ببعض المناطق ذات المناخ الرطب والدافئ نسبياً. خاصة إذا لم تتوفر بها وسائل التبريد الجيدة أثناء النقل والتخزين والتداول لأسباب اقتصادية وتقنية معروفة، كما هو الحال بالدول النامية أو المتخلفة. وتحت هذه الظروف الصعبة المشار إليها، فإنه من الطبيعي أن يلجأ المزارع والمسوق إلى رفع أسعار تلك المنتجات عدة أضعاف حتى يتمكن من تحقيق مردود اقتصادي مقبول نسبياً ولكي يستطيع تعويض الفقد الناتج من عوامل الفساد السالف ذكرها. أي أن الخسائر الاقتصادية الباهظة الناجمة من تلف تلك المنتجات أثناء مرحلتي الإنتاج والتسويق سوف تكون على عاتق المستهلك إذا أراد أن يتقيد بمفهوم الأغذية الطبيعية ويتجنب شراء وتناول المنتجات التقليدية لكونها تحتوي على مواد كيميائية من المحتمل أن تكون ضارة بصحته. ولا شك أن الثمن سيكون باهظاً، فأسعار المنتجات التي يُقال أنها طبيعية أو صحية وكما هو ملاحظ بالعديد من المحلات العالمية أو المحلية تفوق أسعار المنتجات التقليدية عدة أضعاف. وقد يقول قائل، إن الصحة أهم من المال، والوقاية خيرمن العلاج، إلى غير ذلك من المقولات المختلفة لطمأنة المستهك ولتبرير هذا الفارق الكبير بين أسعار المنتجات التقليدية وتلك التي يُقال أنها طبيعية. إلا أنه من الأهمية التنبيه للحقيقة التي مفادها أنه ليس كل المستهلكين يملكون القدرة الاقتصادية على تحمل ذلك وباستمرار. والنتيجة التي سوف نصل إليها في نهاية المطاف أن يستفيد الغني من ميزات ما يُعرف بالأغذية الطبيعية - إن كان حقاً لها ميزات أو فوائد صحية - بينما لا يستطيع الفقير ومتوسط الدخل مجاراة ذلك!. فإذا كان الهدف من تبني مفهوم الأغذية الطبيعية هو حماية المستهلك من أخطار المواد الكيميائية فجميع المستهلكين على السواء وصحتهم تهم المجتمع ككل!. بل الأهم من ذلك هو كون السواد الأعظم من أفراد المجتمع خاصة بالدول النامية كالجماهيرية هم من ذوي الدخل المحدود (ما يزيد عن 70%) حسب بعض الدراسات. وهذا يعني أن تبني مفهوم الأغذية الطبيعية ومن منظور اقتصادي بحت لن يكون مجديًا لكونه سيقتصر على فئة قليلة من المجتمع دون الغالبية العظمى. ب- ظاهرة الاستغلال: نظراً لعدم وجود وسائل واضحة للتفريق بين النوعين من المنتجات: التقليدية والطبيعية، اللهم إلا الاعتماد على ما يقوله مروجوها قولا أو كتابة، فمن المتوقع أن يقع المستهلك فريسة للاستغلال والغش والتدليس حيث قد يدفع ثمناً باهظاً لبعض المنتجات بحجة كونها طبيعية وليس هناك ما يضمن صدق ذلك. لأن الأمر متروك للثقة العمياء بمروجي مثل هذه المنتجات وضمائرهم، وبالطبع ليسوا جميعاً عندهم ضمير أو أهلا للثقة!. فالعديد من التجار قد تروق لهم الفكرة ويستغلون الحالة النفسية للمستهلك لكونه يبحث على المنتجات الطبيعية وينفر من المنتجات التقليدية. وعملا بالقاعدة المشهورة عند أمثال هؤلاء وهي: ”الغاية تبرر الوسيلة“. وحيث أن المستهلك لا يستطيع أن يفرق بين الاثنين اعتماداً على معاييره الحسية المحدودة، فلماذا لا يبيعونه المنتجات التقليدية والمعاملة بالمواد الكيميائية على كونها طبيعية حتى إذا اضطروا في بعض الأحيان إلى الكذب أو القسم الكاذب للتأكيد على صحة أقوالهم. 2- التناقض مع مفهوم الأمن الغذائي: إن العودة إلى أساليب الزراعة التقليدية القديمة قد يكون منطقياً ويتمشى مع رغبة المستهلك في الحصول على ما يسمى بالأغذية الطبيعية، إلا أنه قد لا يتمشى مع ظروف ومتطلبات العصر من الناحية الاقتصادية البحتة. فالجهود المبذولة بالوقت الحاضر وعلى الصعيدين المحلي والعالمي تهدف في مجملها إلى محاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الغذائي بل وإلى ضرورة توفير مخزون احتياطي مناسب منه لسد الاحتياجات المتزايدة للسكان محلياً وعالمياً، خاصة في أوقات الحروب أو الجفاف أو الكوارث الطبيعية الطارئة. وهذا ما يعبر عنه الاقتصاديون: بالأمن الغذائي. وغني عن القول أنه لتحقيق الأمن الغذائي بمفهومه الواسع على المستويين المحلي والعالمي فإن الأمر يتطلب بذل كافة الجهود واستغلال جميع الإمكانات المادية والتقنية المتاحة التي من المؤمل أن تساعد في تحقيق الزيادة المرجوة بالإنتاج الغذائي. هذا بالطبع، ينطبق على استغلال كل ابتكار جديد في مجال الزراعة والصناعات الغذائية بما في ذلك ضرورة اللجؤ إلى العديد من المواد الكيميائية المتمثلة في الأسمدة والمبيدات والأدوية وغيرها على مستوى المزرعة ثم مختلف المواد المضافة من مواد حافظة وغيرها على مستوى مصانع الأغذية. ومن هنا نستنتج وبكل وضوح أن هناك تناقضاً شديداً في الأسلوب الذي يتحتم اتباعه لتحقيق هذا الهدف الهام، والأسلوب السابق ذكره والذي ينادي به أصحاب الاتجاه الأول والداعي إلى الاقتصار على أساليب الزراعة التقليدية القديمة للحصول على ما يعرف بالأغذية الطبيعية نفوراً من المواد الكيميائية وأضرارها المحتملة على الصحة. أي أن الأسلوبين متناقضان تماماً ويسيران في اتجاهين مختلفين ولا يمكن التوفيق بينهما، أي لابد من التضحية بأحدهما على حساب الآخر ! الخلاصة : 1. من خلال ما تقدم، وبعد استعراض الجوانب المختلفة للآثار الصحية والنفسية والاقتصادية لما يسمى بالأغذية الطبيعية، فإن المرء لا يسعه إلا التأكيد على بعض الحقائق التالية: 2. أن الأضرار الصحية الناجمة من الاستخدام المتزايد واللامسؤول للمواد الكيميائية بالمجالين الزراعي والصناعي إضافة إلى التلوث البيئي المتفاقم بالغة الخطورة ولا يمكن تجاهلها أو التقليل من أهميتها. أن ما يعاني منه الإنسان من ويلات بهذا العصر بسبب سوء استخدام المواد الكيميائية بالإضافة إلى التلوث البيئي ليس مبرراً لانتقاد الحضارة الحديثة واعتبارها نقمة على الإنسان كما يروق للبعض فهم ذلك فالتقدم الحضاري والتكنولوجي سلاح ذو حدين، فإمكانية الاستفادة منه أو إساءة استخدامه مرهون بالإنسان نفسه وليس عيباً بالحضارة وتقدمها. 3. أن التلوث البيئي بمختلف أنواعه لا يقتصر على منطقة دون أخرى أو بلد دون غيرها وإنما هو سريع الانتشار ولا يعترف بالحدود الجغرافية. وهذا يستوجب وجود نوع من التعاون والتنسيق الدولي المستمر على المستويين التشريعي والتنفيذي، بالإضافة إلى الدراسات العلمية لرصد التلوث وابتكار أنجع الوسائل للحد من آثاره المدمرة على البيئة والإنسان. 4. أن صرخات المستهلك المتصاعدة وقلقه الشديد من الأخطار السابق ذكرها ليست وليدة الصدفة أو مجرد ردة فعل مؤقتة سرعان ما تزول أو ”مجرد زوبعة في فنجان“ كما يقول المثل، بل ذلك مبني على حقائق علمية ودراسات ميدانية ومعملية عديدة لا يتطرق إليها أدنى شك. 5. أن الأسلوب الذي يدعو إليه البعض وانجذب إليه العديد من السمتهلكين وهو العودة إلى الطبيعة في مجال إنتاج الغذاء وتصنيعه يعتبر أمراً منطقياً وجذاباً من الناحية النظرية رغم صعوبة تحقيقه من الناحية الواقعية بالإضافة إلى كونه يحمل في طياته العديد من المخاطر الصحية والاقتصادية بالإضافة إلى المعاناة النفسية التي يواجهها السمتهلك الذي قد يتبنى هذا الاتجاه. 6. أن تحقيق حلم المستهلك في الحصول على غذاء طبيعي خال من أية مواد كيميائية أو بيولوجية ضارة حتى وإن صادف بعض النجاح على نطاق ضيق ببعض البلاد أو ببعض المناطق المحدودة ببلد ما، يصعب تطبيقه على المستوى الشامل الذي يدعو إليه بعض المتحمسين. 7. لقد تبين بما لا يدع مجالاً للشك أو الالتباس أن تبني مفهوم الأغذية الطبيعية على نطاق واسع ببلد ما أو على المستوى العالمي يمكن اعتباره نوعًا من الانتحار من الناحيتين الاقتصادية والتكنولوجية. لأنه يعني ببساطة العودة إلى الوراء مئات السنين وحرمان هذا البلد أو ذاك من الاستفادة من التقدم الحضاري بمجالي الزراعة والصناعات الغذائية. 8. إذا افترضنا إمكانية تحقيق ذلك، فإنه يتعارض تماماً مع مفهوم الأمن الغذائي الذي تبنته معظم دول العالم وتسعى جاهدة لتحقيقه منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي والذي تعتبره ووفق المعايير الاقتصادية والديموغرافية المختلفة مسألة هامة وملحة جداً نظراً للانفجار السكاني الهائل الذي يشهده العالم بالوقت الراهن. 9. أن عدم إمكانية العودة إلى الأغذية الطبيعية كأسلوب جذاب للتقليل من مخاطر المواد الكيميائية، لا يعني بأي حال من الأحوال غض النظر عن الأخطار المهددة لصحة الإنسان والناجمة عن المصادر الفيزيائية: (المواد المشعة)، أو البيولوجية، والتلوث البيئي المتفاقم. 10. أن الحد من تلك المخاطر المشار إليها يتطلب جهوداً جادة ومتواصلة تشترك فيها جميع الأطراف المرتبطة بإنتاج الغذاء وتصنيعه، بما في ذلك المستهلك المتضرر الأساسي من تلك المخاطر وبالتالي المستفيد النهائي من مثل هذه الجهود إن نجحت. 11. أن العديد من تلك الجهود لن تكون فعالة إذا لم تواكبها برامج توعية وتثقيف مكثفة بالإضافة إلى وجود تشريعات وقوانين صارمة تضعها هيئات رقابية متحققة وتتابع تنفيذها باستمرار ودون تهاون أو كلل. أن نجاح تلك الجهود على المستويين الإنتاجي والاستهلاكي والتشريعي منوط بتوفير مختبرات حديثة ومتكاملة لتساعد كافة الأطراف المعنية خاصة الهيئات الرقابية على رصد ومتابعة نوع وحجم التلوث الكيميائي أو البيولوجي وتحديد مدى خطورته ومن ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة تجاهه. 12. وختاماً، وحتى إذا سلمنا باستحالة تحقيق ما يسمى بمفهوم الأغذية الطبيعية للتقليل من مخاطر المواد الكيميائية والتلوث البيئي، فإن ذلك لا يعني الاستسلام للأمر الواقع وعدم المطالبة المستمرة كمستهلكين على الأقل بضرورة وضع حد لهذا الوضع الخطير والمتمثل في التلوث البيئي المتفاقم وسوء استخدام المواد الكيميائية بكافة مجالات الحياة والبحث عن أنجع الوسائل للحصول على غذاء جيد، صحي وسليم بكل ما تحمل هذه العبارة من معان تقنية وصحية وتغذوية

تعليقات

التنقل السريع