القائمة الرئيسية

الصفحات

أسباب قيام الثورة الفرنسية

تمثل الثورة الفرنسية واحدة من أهم الأحداث التي شهدتها أوروبا لأنها كانت بالفعل نقطة تحول أساسية في تغير وتطور الأنظمة السياسية،والاقتصادية ، والاجتماعية، ليس في فرنسا فقط بل في أوروبا بأكملها، وكانت لها نتائج أثرت على العالم ولسنوات عديدة. فقد انتهت سيطرة أسرة آل بوربون "The Bourbons"،وحكمها في فرنسا، ودمرت النظام الاجتماعي السائد فيها،وكان لشعارها المرفوع:الحرية والإخاء والمساواة وإعلان حقوق الإنسان اثر واضح في أوروبا , الأوضاع العامة قبيل الثورة الفرنسية: "أما عن الأوضاع العامة في فرنسا قبيل الثورة الفرنسية ،فقد كان النظام الرأسمالي في فرنسا اخذ بالتطور والتوسع،وأخذ النظام الجديد يتصارع مع النظام الإقطاعي.وكانت فرنسا تملك موارد زراعية هائلة ، وصناعة نسيج رائجة،وتجارة خارجية نشطة.كما أن عدد سكانها قد ارتفع بشكل ملحوظ من18 مليون نسمة عام 1726م إلى 26 مليون نسمة في عام 1780م ، وانعكس ذلك سلبيا على أوضاع الجماهير الشعبية،وذلك لأن الأسعار قد ازدادت مع التطور الرأسمالي ، وانخفض المستوى المالي للجماهير ومستوى معيشتهم ، وبدأو يعانون من حياة صعبة، وبدأوا يعملوا من أجل التخلص من هذه المعاناة ، فكان هذا الوضع محفزا للثورة وممهدا لها ،فأحوال الحرفيين والعمال والفلاحين ، وعامة الشعب كانت سيئة وتزداد سوءا مع الوقت كما أن الإقطاع لم يعد كما كان عليه في العصور الوسطى ،فالفلاح يتصرف في الأرض التي يعيش عليها والتي هي من الناحية الرسمية ملك للإقطاعيين الذين يتنازلوا عنها للفلاحين مقابل التزامات معينة، كأن يأخذ نسبة من الحاصل أو العمل دون أجور في مزرعة الإقطاعي لعدد من أيام الأسبوع ، وأن مثل هذه الالتزامات تحد من إمكانياته المالية ومن حريته الشخصية . وجماهير الشعب كانت ملزمة بأن تدفع ضرائب مزدوجة إلى الإقطاعيين والى الحكومة والملك وأبغض هذه الضرائب كانت ضريبة الملح لعدة أسباب : 1. احتكار الحكومة لبيع الملح . 2. بيع الحكومة للملح بأسعار غالية. 3. فرض الحكومة على الشعب شراء الملح حتى لو لم يكن بحاجة اليه. فالوضع المالي لهؤلاء الجماهير سيء جدا ،ونتيجة للتطور الرأسمالي ظهرت في فرنسا طبقه برجوازية ، واخذت هذه الطبقة تعمل من أجل المشاركة في السلطة السياسية ، وتلجا الى نيل دعم الجماهير الشعبية ، التي أخذت تحرضهم ضد السلطة ، وتستغل أوضاعهم من اجل إسقاط النظام السياسي القائم في فرسا. كما ينقسم المجتمع الفرنسي ـ بالإضافة الى الطبقة البرجوازية- الى قسمين هما : • النبلاء ورجال الدين ، ويتمتعون بكل الحقوق والامتيازات وكانوا معفين من الضرائب. • الفلاحين والحرفين والعمال والبرجوازيين وكانوا محرومين من كل الحقوق والأمتيازات وملزمين بدفع الضرائب. وقد مهد هذا الوضع الاجتماعي غير الطبيعي ،على قيام الثورة الفرنسية..." والأن سوف نتطرق لكل من الأسباب التي مهدت لحدوث الثورة كل على حدة.. • الأسباب الفكرية(اليقظة الفكرية): عرفت الفلسفة والاقتصاد والأدب ازدهارا كبيرا في القرن الثامن عشر ،وعكست استياءا اجتماعيا كبيرا وحركة البرجوازية والجماهير الشعبية التي كانت تنهض لأجل النضال ضد الحكم المطلق... "تعتبر اليقظة الفكرية الأساس الذي أدى الى قيام الثورة الفرنسية واليقظة التي بدأت أوروبا تشهدها خلال القرن الثامن عشر تسمى بعصر التنوير أو حركة الاستنارة ، التي تعد امتدادا حقيقيا للنهضة الأوروبية ، وذلك لانها تمثل انطلاقة للفكر وتحرر للعقل الأوروبي .فبدات العقلية الأوروبية تؤمن وتصدق بالآراء والمفاهيم،والقيم الجديدة ، وتؤمن بالاكتشافات والاختراعات العلمية التي جاء بها جون لوك ، واسحق نيوتن،وبدأ التشكيك يسود في المجتمع الأوروبي في عاداته وتقاليده وامكانية التخلص منها. فعصر التنوير هو فكر دينوي خالص،وابتعاد عن المفاهيم والقيم التي جاءت بها الكنيسة ،والتي أكدت الجوانب الروحية ، واعداد الانسان للحياة الثانية،ففقدت الكنيسة اهميتها ،وفقد رجال الدين نفوذهم بعد ان سيطروا على العقلية الأوروبية لفترة طويلة من الزمن. وجاء قادة الحركة باراء وتعاليم ونظريات جديدة ،بالنسية لقيام المجتمع ،وتطوره ، هذه الاراء سرعان مانتشرت في اوساط المجتمع والرواد الذين تحملوا اعباء نشر هذه الأفكار الجديدة هم جماعة المتفلسفين إلا أنهم لم يكونوا فلاسفة بل أنهم درسوا هذه الأراء والأفكار والنظريات،وآمنوا بها وعملوا على نشرها بعد أن صاغوها بأسلوب مبسط وسلس بحيث تستوعب ذلك الجماهير الأوروبية....وأشهر هؤلاء المفكرين هم من فرنسا مونتيسكيو وفولتير وروسو." "...نعم ظهرت في فرنسا في ذلك الزمان قدر كبير من التفكير الحر والخطابة الحرة والعاطفة الحرة.وقام في فرنسا في النصف الأول من القرن الثامن عشر،منتسكيو (1689-1755 ) ضريبا لجون لوك في انجلترا وإن تأخر عنه بعض الزمان ، فوضع النظم الإجتماعية والسياسية والدينية تحت نفس الفحص والتحليل الجوهري وبخاصة في كتابه"روح القوانين" ... " "...وقد قدم مونتسكيو في مؤلفاته الفلسفية والسياسية : " الرسائل الفارسية" و "روح القوانين" نقدا حادا وعميقا للنظام الإستبدادي ،ولتعسف الحكم المطلق –الملكي والفردي- ..." "...وجاء مونتسكيو في كتاب "روح القوانين " بأفكار جديدة تتمثل في نقطتين: 1. أن أنواع الحكومات تختلف باختلاف المناخ والظروف الطبيعية(الجغرافية)فقال أن النظام الدكتاتوري والإمبراطوري يكون ملائم بالنسبة للشعوب التي تسكن المناطق الحارة ،وأما النظام الديموقراطي فهو ملائم لحكومات المدن الصغيرة. 2. معارضته النظام الاستبدادي في فرنسا فقد جاء بمبدأ الفعل والموازنة بين الملك والبرلمان ، والقصد تحديد صلاحية الملك كما أكد على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث ..." "...أما فولتير (1694-1778) كان من المفكرين السياسيين الذين أثروا بشكل كبير في صياغة أفكار الثورة الفرنسية، وكان اسمه هذا على غرار مونتسكيو غير حقيقي فاسمه الأصلي فرانسو ماري آرو . وقد اهتم فولتير بمعالجة القضايا والمشاكل التي يعاني منها الشعب الفرنسي ، فتطرق إلى مسألة الاستغلال الإقطاعي والكهني ، فبدأ بمقاومة الحكم المطلق في فرنسا بعد أن تطرق في كتاباته إلى مساوئ النظام السياسي المتمثل بملكية آ ل بوربون موضحا استئثارهم بالسلطة دون اللجوء إلى البرلمان..." "...أما روسو (1712-1778م)فقد عاش في مجتمع مثالي في خياله،وكان يملك طبيعة شاعرية ،وهو واضح من مقالة الأول المعنون:"البحث في العلوم والفنون" الذي قارن فيه بين نبل الإنسان البدائي ،وشرور الإنسان المدني ،وصور فيه الفرح بزوال المدنية ، والرجوع إلى الطبيعة الحرة المتمثلة بالحرية والمساواة حيث لا قوانين تقيد حريات، ولا ملكيات ولا حروب،وهو واضح أيضا من مقاله :"مبحث في أصل اللامساواة " الذي تناول فيه الإنسان الخام ،الذي لا يعرف شقاء المدنية ، وصاحب الاحتياجات الأساسية القليلة التي يمكن توفيرها والمدافع عن مصالحه المشروعة ،ويعزو توجه الإنسان نحو المدنية ،وخروجه من الجنة إلى طمعه ، وأنانيته،اذ أن القلة التي أطلقت العنان لشهواتها ،أرادت تملك كل شي متجاوزة حاجاتها الطبيعية،فاستأثرت بالسلطة على حساب بقية البشر،وبالتالي ظهرت الملكية الخاصة ،وظهرت الدولة لتحمي تلك الملكية، وتحافظ على مصالح أصحابها..." ،"...وقد كان له تأثير كبير على الجيل الفتي،وقد كتب روسو روايات،وقصائد،وأعمالا سياسية وفلسفية،كان معاصروه يرون فيها-على الرغم من تناقضات معينة-تأثيرا ثوريا...لقد أعلن روسو قبل أي شيء آخر فكرة المساواة التي كان لا يراها مجرد مساواة سياسية ،وإنما مساواة اجتماعية،كما نادى بفكرة إدارة الشعب وسيادته،إن حلم روسَو بجمهورية مثالية مكونة من أعضاء متساويين ، وبجمهورية مساواتية لمنتجين شبان،ولملاكين صغار لا يعرفون الفقر ولا الغنى :كانت طوباوية كليا، لكنها كانت تعبر عن طموحات الفلاحين الدفينة الذين كانوا يحلمون بالأراضي التي أخذها منهم الإقطاعيون.كانت تلك الأحلام الحميمة للشعب الكادح الذي كان يتمنى نظاما آخر..." "...وقد كان للكتابات التي قدمها هؤلاء المفكرين دورا كبيرا في توجيه هزات لدعائم النظام القديم المتمثلة بالحكم المطلق ، وعدم المساواة في حياة المجتمع،وعدم التسامح الديني...لقد ساهمت الحركة الفكرية مساهمة فعالة في تهيئة الأجواء للثورة الفرنسية ،ومهدت لها وساهمت في التوعية ،وإيقاظ الجماهير الشعبية ،وتبسيط الأمور وشرحها ،وتفسيرها لهم حتى أننا نستطيع القول أن الحركة الفكرية ،أو الأسباب الفكرية هي أساس الثورة الفرنسية..." • الأسباب الاقتصادية: وتمثلت هذه الأسباب بنظام الضرائب المتبع في فرنسا ،وسوء الوضع المالي ، الذي أدت إلى أزمات اقتصادية ، ولتوضيح ذلك نقول لقد تميز نظام الضرائب في المملكة الفرنسية بظلمه وتعسفه، وعم مساواته بين أفراد المجتمع الفرنسي ،بالإضافة إلى تعدد الضرائب ،واقتصار دفعها على فئة محدودة من أبناء المجتمع . ومن أهم الضرائب التي كنت تجبى ،ضريبة الراس ،وضريبة الدخل(الإيراد)، وضريبة العقار ، وضريبة الملح،وضريبة العشر وغيرها الكثير،ولم تكن المشكلة تقتصر على تعدد الضرائب ،بل على طريقة جمعها. "...فلم يدفع رجال الدين نصيبهم كاملا ،مثال ذلك أن رجال الدين لم يقوموا بشيء سوى دفع الضريبة المعروفة باسم المنحة المجانية ،وهي قدر غير يسير، على حين أن النبلاء لم يدفعوا سوى الضريبة العشرينية وضريبة الراس...وكانت ضريبة الملح –بوجه خاص-تجبى بشك غير عادل..." "...كانت فرنسا تعاني عجزا ماليا ف موازنتها المالية لفترة ترجع جذورها وامتداداتها إلى أيام لويس الرابع عشر إلا أن هذا العجز أصبح بشكل لا يستطيع معه أحد من أصحاب النظام السياسي التستر عليه وتجاوزه ،لأنه أصبح واضح للعيان ، وبدأت نتائجه تنعكس سلبا على أحوال وأوضاع الجماهير الشعبية الفرنسية ،وزادت ذلك في ما تحملته الخزينة الفرنسية من أعباء تمويل عمليات الحرب الأمريكية،وذلك دعما للأمريكيين في ثورتهم ضد الحكم الإنجليزي ،بالإضافة إلى مصاريف النبلاء الزائدة،ونفقات البلاط التي أصبحت لدرجة لا تطاق. ولنأخذ مثالا على العجز المالي في الموازنة الفرنسية ،وليكن للعام المالي الذي سبق قيام الثورة ، ونقصد عام 1788م ،فقد وصلت مصاريف ونفقات الخزينة حوالي 629مليونا من الفرنكات الفرنسية،بينما لم تكن الواردات لهذه الخزينة تزيد على 503 ملايين أي بعجز مقداره 136 مليونا مما يشكل 20% من الميزانية العامة ، وترصد مصاريف القصر وامتيازات بعض الأفراد من الطبقات الاجتماعية المتقدمة على السلم الاجتماعي حوالي6% من مجموع الموازنة وبالمقابل فان مصاريف الخدمات والتعليم لا تتجاوز 2%،وهذا الفارق الواضح كان احد الأسباب التي أدت إلى صعوبة الأوضاع الاقتصادية ،وانعكاسها سلبا على الأوضاع الاجتماعية والسياسية لأنه من الصعوبة بمكان فصل هذه الأسباب عن بعضها . والجدير ذكره هنا أن سوء الوضع الاقتصادي قد أحس بها الملك لويس السادس عشر ،وكانت عنده رغبة في إصلاح هذه الأوضاع المتردية لذلك عين احد اقتصادي فرنسا المشهورين توركو مراقبا عاما خلال الفترة 1774-1776م.وانطلاقا من أفكاره باشر بإصلاحات متعددة نوجزها بما يلي: 1. تطبيق نظام ضرائبي عادل. 2. إطلاق الحرية التجارية بين مختلف ولايات المملكة الفرنسية ،وبين فرنسا والدول الأخرى. 3. القضاء على مظاهر الفساد في الإدارات الحكومية ،وإسناد الوظائف إلى الأمناء. 4. الحد من سلطات الكنيسة. لقد كان من الممكن لهذه الإصلاحات ،والأفكار الاقتصادية أن تحقق نجاحا لو أنها استمرت ،وكان من الممكن أن تؤدي إلى عدم قيام الثورة،وإصلاح الوضع الحالي والاقتصادي "توركو"وإجراءاته اصطدمت بمصالح الحاشية،والبلاط،والطبقة الأرستقراطية،وبمساعدة الملكة تم الضغط على الملك ،واجبر على طرد "توركو"وعزله،وإلغاء كل مصطلحاته ،وتم تعيين "نيكر"بوظيفة المراقب المالي العام في المملكة الفرنسية خلال الفترة 1776-1781م،وهذا حاول ان يجري إصلاحات مهمة في الحياة الاقتصادية والمالية الفرنسية. فحاول "نيكر"إنقاذ الخزينة من إعلان الإفلاس ،وذلك عن طريق القروض التي كان يعقدها بفوائد أقل من ذي قبل .ومع ذلك فقد أشار استياء الحاشية ،والطبقة الأرستقراطية،وذلك لسببين هما : 1. اعتماده الاقتصاد في النفقات ومخططات البلاط والحاشية. 2. قيامه بخطوة لم يسبق لأحد ام بها ،وهي اعداد وكتابة تقرير مفصل عن الشؤون المالية في فرنسا ،ونشره على الناس وقد تضمن حقائق صارخة جدا ،فأطلع الشعب على أسرار لم يكونوا مطلعين عليها من قبل عن الحياة المالية والاقتصادية ،والحالة التي يعيشها البلاط ،فازدادت نقمة الناس ،وكان يرى في اعادة النظر في توزيع الضرائب على مختلف المستويات،والمساواة والعدالة في ذلك،كما طالب بالمساواة بين أقاليم وولايات المملكة،وفيما يتعلق بالطبقة الثالثة،فكان يرى أنها لم تعد تتحمل أي مزيد من الأعباء الضرائيبية.ولكون هذه الآراء تتعارض مع البلاط وحاشيته ،فقد تم اقصاءه عن مركزه،وعقب ذلك أسندت مهمة المراقب المالي الى اقتصادي آخر هو "كالون"خلال الفترة 1783-1787م،وقدم برنامجا اصطلاحيا تضمن النقاط الرئيسية التالية: 1. إلغاء الضريبة على الإيراد. 2. رفع الحواجز الجمركية الداخلية بين الولايات والأقاليم الفرنسية. 3. فرض ضريبة على الأراضي وليس على الأشخاص. رفع قدرات الشعب الشرائية عن طريق تخفيف ضريبة الراس وضريبة الملح عن الطبقة الثالثة. الا أن هذا البرنامج لم يطبق بشكل حقيقي لاصطدامه مباشرة بمراكز القوى في المملكة الفرنسية ممثلا بالحاشية ، والبلاط، وأفراد الطبقة الأرستقراطية من نبلاء ورجال دين.لذلك عزل هذا الاقتصادي ،وفشل برنامجه الاقتصادي. وخلف "كالون" في منصب المراقب المالي شخص اقتصادي آخر هو"دين بريين"الذي فشل في تحقيق شيء لصعوبة المشكلة وازديادها،وعدم الدرة على مواجهتها،ووضع تصور واضح و حقيقي لها، واصطدام كل برنامج إصلاحي مع مصالح البلاط والحاشية والطبقة الأرستقراطية ،وبالفعل قدَم استقالته ليعود"نيكر" مرة ثانية لمنصب المراقب المالي العام في المملكة الفرنسية ،ويبقى في هذا المنصب الاقتصادي حتى قيام الثورة الفرنسية. إن التغيير المستمر لمنصب المراقب العام يعني أن هناك رغبة حقيقية في إصلاح الأوضاع الاقتصادية والمالية ،إلا أن هذه الرغبة كانت تصطدم بمصالح الطبقة الأرستقراطية من نبلاء ورجال دين وحاشية ،وحتى مع البلاط الملكي نفسه.لذلك ساهمت الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير ومميز في إيقاظ الشعب الفرنسي،ودفعه للقيام بالثورة التي عملت على تغيير كل الظروف والأحوال، ووفق تصورات واضحة،وحقيقية لكل المشاكل التي كان يعاني منها الشعب الفرنسي..." بذلك فان سوء الأحوال الاقتصادية،التي كانت بسبب البذخ ،وضعف الملوك ،وعجز الوزراء عن التمسك بالسياسات الموحدة،أدى إلى حالة من الفوضى الاقتصادية في البلاد،وتفاقم الديون على الدولة. • الأسباب السياسية: وتتمثل بالنظام السياسي السيئ جدا والمتمثل بالحكم الملكي المطلق المستبد،واستغلال إرادة الملك من قبل حاشيته وزوجته وكبار النبلاء ورجال الدين وغير ذلك من أفراد القصر الملكي،بحيث أصبح الناس غير آمنين على حياتهم. "فقد كان الملك لويس السادس عشر (1774-1793)ملكا غبيا سيء التعليم ،وكان من سوء طالعه أنه تزوج من امرأة مبذرة،وهي ماريا أنطوانيت شقيقة إمبراطور النمسا...فكانت كما يقول بول ويرياث"تعيش جنبا إلى جنب مع زوجها لا إلى جانبه"...فلما استنفدت موارد وزارة المالية في الحرب في أمريكا ،وعندما كانت البلاد بأسرها تتقلب على جمر التذمر والقلق،تصب كل سلطانها لغل أيدي وزراء الملك عن أية محاولة للاقتصاد ،ولتشجيع كل نوع من أنواع الإسراف الأرستقراطي ،ولإعادة الكنيسة والنبلاء إلى المركز الذي كانوا يتبوأونه في الأيام العظيمة أيام لويس الرابع .وكانوا يريدون أن يخلعوا من الجيش الضباط غير الأرستقراطيين ،وأن يبسطوا من سلطة الكنيسة على الحياة الخاصة..." . "...وتميز النظام السياسي الفرنسي بالتعسف والفوضى الإدارية،وعدم الكفاءة واحتكار السلطة،واتخاذ القرارات السياسية من قبل فئة محددة من الأشراف ورجال الدين ،وبعد وصول لويس السادس عشر،والذي كان هادئا،مسالما،ومتدين،وأخلاقه عالية،إلا أن مشكلته أنه كان ضعيف الشخصية غير مؤهل لأن يحكم دولة كبيرة مثل فرنسا،كما أنه متزوج من أنطوانيت والتي كانت عكسه تماما،فشخصيتها قوية،ونشطة سياسيا ،وتمتلك قدرات كبيرة على اتخاذ القرارات الإدارية والسياسية الصعبة حتى في أحلك الظروف،فبعد 15 عاما من حكمه وصلت الأمور السياسية إلى درجة من التعقيد يصعب معها الإصلاح.ولم يعد هذا النظام يتماشى ويتلاءم مع التطور السياسي الذي وصل خلال القرن الثامن عشر عصر التنوير والفكر،خصوصا إذا ما قورن هذا النظام مع غيره من الأنظمة السياسية المطبقة في بعض دول أوروبا الغربية المجاورة لفرنسا"كبريطانيا مثلا" لذلك كان لابد من تغيير النظام السياسي القائم في فرنسا واستبداله بنظام يعبر عن رغبات الأغلبية من أبناء الشعب الفرنسي. ففي مثل هذه الظروف أصبح النظام السياسي يعاني من أزمة خطيرة،هذه الأزمة لها انعكاساتها على العلاقات الخارجية والداخلية.أما على صعيد العلاقات الخارجية فتتمثل بالإخفاقات التي أصابت فرنسا لاسيما في خسرانها لحرب السنوات السبع (1756-1763)حيث فقدت فيها فرنسا كل ممتلكاتها في العالم الجديد وكندا ،ومستعمراتها في الشرق الأقصى مما يعني توجيه ضربة قاسية لمكانة فرنسا الدولية.أما على صعيد العلاقات الداخلية فتتمثل بعجز النظام على أن يكون دولة موحدة فهناك العقبات والعراقيل والحدود الجمركية الداخلية بين الأقاليم والتنوع في الضرائب والمقاييس والمكاييل والأوزان هذه كلها عقبات تساهم في انعزال الأقاليم عن بعضها،وعدم تكوين انسجام سياسي بينها..." . بذلك يمكننا القول أن من الأسباب السياسية "...وجود جهاز حكومي مرتبك ،لا يتسم بالطغيان بقدر ما يتسم بانعدام الشعور بالمسؤولية ،ولا يلائم حاجات دولة تجارية وزراعية كبرى..." . • الأسباب الاجتماعية: "تمثلت الأسباب الاجتماعية باتجاهين مرتبطين ببعضهما ارتباطا وثيقا هما:نظام الامتيازات ،ونظام الطبقات.إن تمسك النظام الملكي بنظام الطبقات الموروث منذ أيام العصور الوسطى كان واحدا من أسباب الثورة الرئيسية،فيمكن رصد ثلاث طبقات اجتماعية شكلت النظام الاجتماعي في فرنسا: 1. طبقة الأشراف،ويمثلون الطبقة الأولى في النظام الاجتماعي الفرنسي،حيث ورث هؤلاء عن أسلافهم-سادة اقطاعات العصور الوسطى-الكثير من الامتيازات التي لم يعد لها ما يبررها،ولم تعد توافق الواقع الفرنسي الجديد في مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية.فكان هؤلاء الأشراف يملكون الأراضي الزراعية ،ويستثمرونها بواسطة فلاحين يعيشون عليها في ظروف قاسية،وهم أصحاب الحق في الوظائف الكبرى في الجيش والإدارة والقضاء والدبلوماسية،ولهم على فلاحيهم حقوق إقطاعية كثيرة ،كما أنهم يعفون من كثير من الضرائب والالتزامات المالية التي كانت تفرض داخل المدن والأقاليم الفرنسية . 2. طبقة رجال الدين(الأكليروس):لقد شكل رجال الدين طبقة مهمة داخل النظام الاجتماعي لفرنسا ،وتمتعت هذه الطبقة بنفوذ قوي استند على مصدرين رئيسين هما:الامتياز الموروث عن العصور الوسطى،والثروة المالية الكبيرة التي ترجع إلى جباية ضريبة العشر المضروبة على الملكية العقارية،كما كانت الأراضي التي تمتلكها الأديرة والكنائس كذلك معفاة من الضرائب المالية التي كانت تُفرض على نظيراتها من الأراضي،بالإضافة إلى الامتيازات الموروثة سواء كانت سياسية أم قضائية.كل هذا كان محط نقمة الجماهير وخصوصا بعد أن تعهد العديد من المثقفين على إبراز كل هذه التجاوزات والمفاسد المالية. 3. طبقة العامة(الطبقة الثالثة):والتي كانت تضم سواء الفلاحين والعامة ،وتمثل الأغلبية العظمى من السكان.وكانت هذه الطبقة تتحمل عبء دفع الضرائب ،وتقديم الجنود،خدمة الكنيسة،والأديرة والعمل في مزارع الأشراف والنبلاء.فعليهم الكثير من الالتزامات يقابلها حرمان كامل من أبسط حقوق الإنسان الطبيعية.وهناك من يقسم هذه الطبقة إلى عدة أقسام: • من لا يملك شيئا على الإطلاق من أهل الأرياف. • القرويين ممن لا يملكون مساحات صغيرة من الأرض. • ملاك العقارات المتوسطة. • البرجوازية العليا. ولقد لعبت البرجوازية دورا مهما بعد ذلك في توجيه أحداث الثورة للقضاء على هذا النظام الاجتماعي ،وما رافقه من امتيازات وأوضاع خاصة تمتعت بها مثل هذه الطبقات." كل هذه الأسباب مهدت إلى الثورة،وقد تداخلت مع بعضها،وأثر كل منها على الآخر،فالسبب السياسي المتمثل في سيطرة الطبقات العليا أو الأسرة المالكة كان له كبير الأثر على السبب الاقتصادي المتمثل في نظام الإقطاع الذي فرضه أولئك السياسيين ،أو أصحاب الطبقات العليا،كما أن النظام الاجتماعي المتمثل في نظام الطبقات كان له أثر على نظام الاقتصاد من خلال التأثير على القوى العاملة _عامة الشعب_أي تأثير الطبقات الأرستقراطية،على الطبقات الدنيا وعامة الشعب... قائمة المصادر والمراجع: • جماعة من المؤرخين السوفيت،عيتاني،محمد(المترجم)،"موجز تاريخ العالم"،الجزء الأول ،المجلد الثاني،الطبعة الأولى،دار الفارابي،بيروت،لبنان،1989م. • خريسات،محمد عبد القادر(أ.د)،محافظة،محمد عبد الكريم(د)،هزايمة،عصام مصطفى(د)،"تاريخ الحضارة الإنسانية"،الطبعة الأولى،مؤسسة حمادة ودار الكندي للنشر،أربد ،الأردن،1999م. • وليام لانجر ،زيادة،محمد مصطفى(المترجم)،"موسوعة تاريخ العالم"،الجزء الخامس،بدون طبعة،مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر،القاهرة،نيويورك،1966م. • H.G.WEllS،جاويد،عبد العزيز توفيق(المترجم)،"معالم تاريخ الإنسانية"،المجلد الرابع في التاريخ الحديث،الطبعة الثانية مراجعة ومنقحة،لجنة التأليف والترجمة والنشر ،القاهرة،1965م.

تعليقات

التنقل السريع