القائمة الرئيسية

الصفحات

المنصور (137 - 158هـ) هو أبو جعفر عبد اللَّه بن محمد بن علي وأمه أم ولد اسمها سلامة ولد بالحميمة سنة101 ولما انتقل أبو العباس من الحميمة إلى الكوفة كان فيمن معه. ولما أفضت الخلافة إلى أبي العباس كان عضده الأقوى وساعده الأشد في تدبير الخلافة وفي السنة التي توفي فيها أبو العباس136 عقد العهد لأخيه أبي جعفر وكان إذا ذاك أميراً على الحج ثم توفي السفاح وأبو جعفر بالحجاز فأخذ البيعة له بالأنبار ابن أخيه عيسى بن موسى وكتب إليه يعلمه وفاة السفاح والبيعة له فلقيه الرسول بأحد المنازل عائداً بعد انتهاء الحج. وقد تمت البيعة له في اليوم الذي توفي فيه أخوه (8 يونيه سنة754) واستمر خليفة إلى أن توفي يوم الأحد سابع ذي الحجة سنة158 (8 أكتوبر سنة775 فكانت خلافته 22 سنة هلالية إلا ستة أيام. وكان يعاصره في الأندلس عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك (138-172) الأحوال لعهد المنصور: تولى المنصور الخلافة ولم تكن قد توطدت دعائمها ولم يكن يخاف عليها من الدولة البائدة دولة الأمويين لأنه لم تبق لهم بقية يخاف منها وإنما كان الخوف ينتاب المنصور من ثلاث جهات الأولى: منافسة عمه عبد اللَّه بن علي في الأمر لما كان له من نباهة الذكر في بني العباس ولأنه كان يدبر أمر جيوش الدولة من أهل خراسان وأهل الشام والجزيرة والموصل الذي أمره عليهم السفاح قبل وفاته ليغزوا بهم الروم وقد أظهر المنصور خوفه هذا لأبي مسلم حينما جاءه الخبر بوفاة أخيه والبيعة له. الثانية: من عظمة أبي مسلم الخراساني مؤسس الدولة فإنه كان يرى له من الصولة وشدة التمكن في حياة أخيه ما لم يكن يرى معه أمراً ولا حكماً ومثل المنصور في علو نفسه لا يرضيه أن يكون له في الأمر شريك ذو سطوة وسلطان مثل أبي مسلم على أن هناك أمراً آخر ربما كان يدور بخاطره وهو أن يستقل أبو مسلم بأمر خراسان ويخلع المنصور ثم يختار للخلافة رجلاً آخر يكون تحت تصرفه وسلطانه فيعود الأمر لأهل فارس. الثالثة: وهي أقوى هذه الجهات الثلاث خوفه من بني عمه آل علي بن أبي طالب الذين لا يزال لهم في قلوب الناس مكان مكين وأخصهم محمد بن عبد اللَّه بن حسن بن زيد بن حسن بن علي بن أبي طالب لما سيأتي بيانه فكان المنصور يتخوف أن يخرج عليه طالباً بالخلافة والذي كان يزيد هواجسه أنه عام حج في حياة أخيه لم يحضره محمد ولا أخوه إبراهيم ابنا عبد اللَّه مع من شهده من سائر بني هاشم. صار المنصور يحتال بأنواع الحيل ليعرف الأخبار عن محمد واستخراج ما عند أبيه عبد اللَّه بن حسن من أخباره ولما علم أن عبد اللَّه يعرف نية ابنة حج سنة وسأل عبد اللَّه عن ابنيه أن عنده بهما فتيقن المنصور كذبه وحبسه وصادر أمواله. لم يزل بنو حسن محبوسين عند رياح بالمدينة حتى حج أبو جعفر سنة فلما لم يجد عندهم ما يبرد غلته من جهة محمد وأخيه إبراهيم أمر بحملهم إلى العراق وأشخص معهم محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان بن عفان وهو أخو بني حسن بن زيد بن حسن لأمهم وأمهم جميعاً فاطمة بنت حسين بن علي وكان إبراهيم بن عبد اللَّه صهره على ابنته فحملوا مقيدين بالأغلال والأثقال وسير بهم على شر ما يكون حتى أتى بهم العراق فحبسوا بقصر ابن هبيرة وهو بلد شرقي الكوفة مما يلي بغداد على نهر الفرات. وقد استعمل معهم المنصور من الفظائع ما لا طاقة للإنسان على تسطيره وكان أعظم فظائعه مع محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان، وكانت نتيجة هذا الحبس الشديد أن مات أكثرهم في الحبس مع أن بني العباس ملأوا الدنيا تهويلاً ورياء بأنهم خرجوا انتقاماً من قتلة الحسين بن علين وزيد بن حسن ويحيى بن زيد وهؤلاء إنما قتلوا في ميادين القتال وهم خارجون ولم يقتل بنو أمية أحداً من آل علي بالشكل الفظيع الذي ذهب به بنو حسن في عهد بني عمهم من آل العباس. على أنه فضلاً عن ذلك كله جعل نفسه محصوراً بالمدينة وهي ليست بمركز حربي يمكن القائد أن يبقى فيه على الدفاع طويلاً وحياتها من خارجها فلا تحتمل الحصار إلا قليلاً. نظام الحكم في العهد العباسي: أولاً الوزير: والوزارة لم تكن معروفة بهذا الاسم في عهد الدولة الأموية وأول من سمي بها لعهد أبي العباس السفاح أبو سلمة الخلال شيخ الدعوة بالكوفة فقد كان يعرف بوزير آل محمد وأصله مولى لبني الحارث بن كعب وكان سمحاً كريماً مطعاماً كثير البذل مشغوفاً بالتنوف في السلاح والدواب فصيحاً عالماً بالأخبار والأشعار والسير والجدل والتفسير حاضر الحجة ذا يسار ومروءة ظاهرة. ثانياً الحاجب: وهو موظف كبير لا يَمْثُل أحد بين يدي الخليفة إلا بإذنه وقد وجد الحاجب في عهد بني أمية وقد أحدثوه لما خشوا على أنفسهم من الفتاكين بعد حادثة الخوارج مع علي وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان. ثالثاً الكاتب: وهو الذي يتولى مخاطبة من بعد عن الحضرة من الملوك والأمراء وغيرهم وكثيراً ما كان يتولى الخليفة نفسه تلك الكتابة. رابعاً صاحب الشرط: وهو المحافظ على الأمن وكان المنصور يختار صاحب الشرط آمن الرجال وأشدهم وكان له سلطان عظيم على المريبين والجناة. خامساً القاضي: وكان ينظر في قضايا مدينة المنصور وحدها ولم يكن له سلطان على قضاة الأقاليم لأن منصب قاضي القضاة لم يكن أنشىء بعد. الجيش: أهم ما تظهر به الدولة جيشها الذي يذود عن حياضها ويحمي بيضتها وقد كان الجيش لعهد الدولة الأموية عربياً محضاً جنوده وقواده فلما جاءت الدولة العباسية كان ظهور نجمها على يد أهل خراسان الذين يرجع إليهم أكبر الفضل في ثل عرش الدولة الأموية وبالضرورة يكون لهم حظ وافر من الدولة وحمايتها لذلك كان جيش الديوان في أول عهد العباسيين مؤلفاً من فريقين. الأول: الجيوش الخراسانية الثاني: الجيوش العربية. وقوادهم من الفريقين بعضهم من العرب وبعضهم من الموالي. وكان أكبر القواد المعروفين في أول عهد الدولة أبو مسلم الخراساني لجيوش المشرق الخراسانية. وعبد اللَّه بن علي لجيوش المغرب وأعظمها عربي من الجزيرة والشام. ومن مشهوري قواده العرب معن بن زائدة الشيباني وهو قائد شجاع كان في أيام بني أمية متنقلاً في الولايات. حاضرة الخلافة: (مدينة السلام- بغداد) وللمدينة أربعة أبواب كل اثنين منها متقابلان ولكل منها باب دون باب بينهم دهليز ورحبة تدخل إلى الفصيل الدائر بين السورين فالأول باب الفصيل والثاني باب المدينة فإذا دخل من باب خراسان عطف على يساره في دهليز معقود بالآجر والجص عرضه عشرون ذراعاً وطوله ثلاثون المدخل إليه في عرضه والمخرج منه وطوله يخرج إلى رحبة مادة إلى الباب الثاني طولها60 ذراعاً وعرضها40 ولها في جنبتيها حائطان من الباب الأول إلى الباب الثاني في صدر هذه الرحبة في طولها الباب الثاني وهو باب المدينة وعن يمينه وشماله في جنبتي بابان إلى الفصيلين. والأبواب الأربعة على صورة واحدة في الأبواب والفصيلان والرحاب والطاقات. ثم الباب الثاني وهو باب المدينة وعليه السور الكبير فيدخل من الباب الكبير إلى دهليز أزج معقود بالآجر والجص طوله20 ذراعاً وعرضه12 وعلى كل أزج من آراج هذه الأبواب مجلس له درجة على السور يرتقى إليه منها، على هذا المجلس قبة عظيمة ذاهبة في السماء سمكها50 ذراعاً مزخرفة وعلى رأس كل قبة منها تمثال تديره الريح لا يشبه نظائره. وعلى كل باب من أبواب المدينة الأوائل والثواني باب حديد عظيم جليل المقدار كل باب منها فردان. الأحوال الخارجية: في عهد المنصور هرب عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان إلى بلاد الأندلس وأسس بها الدولة الأموية الثانية وكان المنصور يعجب به وبقدرته وعزيمته التي جعلته وهو شريد طريد يؤسس ملكاً في هذه البلدان القاصية ولم يكن بين الرجلين بالضرورة علاقة حسنة ولم يتسم عبد الرحمن بأمير المؤمنين بل تسمى بالأمير فقط. وهذه أول بلاد اقتطعت من الخلافة الإسلامية الكبرى بالمشرق أما مملكة الروم التي كانت تحاد الخلافة الإسلامية من الشمال فكان يعاصر المنصور فيها قسطنطين الخامس كما قدمنا وكانت العلاقة بين الأمتين منقطعة لا تترك إحداهما قتال الأخرى متى عنت الفرصة وكان من النظام المتبع في الخلافة إرسال الجيوش تغزو الروم في الصيف وتسمى بالصوائف ولم يكن ذلك ينقطع إلا لمانع. أول ما حصل في عهد المنصور أن الروم بقيادة ملكهم أرغاروا سنة138 على ملطية وكانت إذ ذاك من الثغور الإسلامية فدخلوها عنوة وقهروا أهلها وهدموا سورها ولكن الملك عفا عمن فيها من المقاتلة والذرية. ولما علم بذلك المنصور أغزى الطائفة عمه صالح بن علي ومعه أخوه العباس بن محمد بن علي فبنى ما كان صاحب الروم هدمه من ملطية وقد أقام في استتمام ذلك إلى سنة139. ثم غزوا الصائفة من درب الحدث فوغلا في أرض الروم وغزا مع صالح أختاه أم عيسى ولبابة ابنتا علي وكانتا نذرتا إن زال ملك بني أمية أن تجاهدا في سبيل اللَّه- وغزا من درب ملطية جعفر بن حنظلة البهراني. وفي هذه السنة استقر الأمر بين المنصور وملك الروم على المفاداة فاستنقذ المنصور من الروم أسراء المسلمين. وفي سنة140 غزا الصائفة الحسن بن قحطبة مع عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام وأقبل قسطنطين صاحب الروم في جيش كثيف فنزل جيحان فبلغه كثرة المسلمين فأحجم عنهم ثم لم تكن صائفة بعد ذلك إلى سنة146 لاشتغال أبي جعفر بأمر محمد وإبراهيم ابني عبد اللَّه. ولم تزل الصوائف بعد ذلك تتوالى إلى سنة155 وفيها طلب صاحب الروم الصلح على أن يؤدي للمسلمين الجزية. وكانت هذه الحروب بين الطرفين إغارات لم يقصد بها فتح بل كل واحد من الطرفين ينتهز الفرصة فيجتاز الحدود التي لصاحبه ثم يعود إلى مقره ثانية ولم تكن المصالحات يطول زمنها بل سرعان ما يعودون إلى ما كانوا عليه. أما حدود المملكة من الجهات الأخرى فكانت في الغالب محلاً للاضطرابات ولكنها كانت تسكن حالاً بما يبذله المنصور من الهمة في إرسال الجنود إليها ليقظته ومعرفته بالأمور على وجهها، وكان في كل ثغر جنود مرابطون من المرتزقة وهم المفروض لهم عطاء في الديوان ومن المتطوعة وهم الذين ينتدبون للجهاد في سبيل اللَّه لا يطلبون على ذلك أجراً إلا من اللَّه وكان الخليفة هو الذي يعين قائدهم وكان عددهم في ذلك الوقت كثيراً. صفات المنصور وأخلاقه: كان المنصور أعظم رجل قام من آل العباس شدة وبأساً ويقظة وثباتاً ونحن نسوق هنا جملة من أخلاقه لترتسم صورة هذا الرجل العظيم في الأذهان وفاة المنصور في سنة158 حج المنصور. شخص من مدينة السلام متوجهاً إلى مكة في شوال فلما صار من منازل الكوفة عرض له وجعه الذي توفي به ولم يزل يزداد حتى وصل بستان ابن عامر فاشتد به وجعه ثم صار إلى بئر ميمون وهو يسأل عن دخول الحرم ويوصي الربيع بما يريد وتوفي في سحر ليلة السبت6 ذي الحجة سنة158 ولم يحضره عند وفاته إلا الربيع الحاجب فكتم موته ومنع النساء وغيرهن من البكاء عليه ثم أصبح فحضر أهل بيت الخلافة وجلسوا مجالسهم فأخذ الربيع بيعتهم لأمير المؤمنين المهدي ولعيسى بن موسى من بعده ثم دعا بالقواد فبايعوا وتوجه العباس بن محمد بن علي ومحمد بن سليمان بن علي إلى مكة ليبايعا الناس فبايعوا للمهدي بين الركن والمقام. ثم أخذ في جهاز المنصور وغسله وكفنه ففرغ من ذلك مع صلاة العصر وجعل رأسه مكشوفاً من أجل أنه مات محرماً وصلى عليه عيسى بن موسى ودفن بثنية المعلاة بعد خلافة مدتها22 سنة إلا ستة أيام رحمه اللَّه. وكان له من الولد ثمان ذكور وبنت. فالذكور محمد المهدي وجعفر الأكبر وأمهما أروى بنت منصور الحميرية وسليمان وعيسى ويعقوب وأمهم فاطمة بنت محمد من ولد طلحة بن عبيد اللَّه وجعفر الأصغر وأمه أم ولد كردية. وصالح المسكين وأمه أم ولد رومية. والقاسم وأمه أم ولد وقد مات منهم جعفر الأكبر والقاسم قبل وفاة المنصور والبنت اسمها العالية وأمها امرأة من بني أمية وقد تزوج العالية إسحق بن سليمان بن علي.

تعليقات

التنقل السريع