القائمة الرئيسية

الصفحات

العولمة والهوية الثقافية


مفهوم العولمة:
 سكبت ظاهرة العولمة الكثير من الحبر في الكتابات العربية المعاصرة, وأوسعها المفكرون العرب دراسة وشرحاً ونقداً. والعولمة مصطلح جديد في اللغة العربية, جاء ترجمة للمصطلح الإنجليزي (Globalization). وعلى الرغم من أن كتاباً مثل صبري عبد الله وخالد الحروب استخدموا ألفاظاً من مثل "كوكبة" و"تعولم"، فإن لفظ عولمة أصبح الأكثر انتشاراً وشيوعاً. واستعمال صبري عبد الله مرتبط بفهمه للمسألة من حيث اشتراط مشاركة سكان المعمورة كافة في هذه الظاهرة.

ويقول الحروب: "إن التعولم تعبير عن عملية ليست جديدة, بل قديمة جداً ومستمرة إلى ما لا نهاية". فالعولمة عبارة عن نظام عالمي, يقوم على تحرير الأسواق و"الفضاءات الاقتصادية والتبادلات التجارية والمالية والخدمية ... وعلى الاختراق المتواتر للخصوصيات والحدود الثقافية والقيمية والجغرافية والسياسية". فهي تعني: تعميم الشيء ليشمل الكل, ومفهومها لا ينفصم عن التطور العام للنظام الرأسمالي, وتعد حلقة من حلقات تطوره التي بدأت مع ظهور الدول القومية في القرن الثامن عشر.
والخلاصة أن العولمة بمفهومها الأوسع هي "ظاهرة أو حركة معقدة ذات ابعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية وحضارية وثقافية وتكنولوجية، أنتجتها وساهمت في سرعة بروزها التغيرات العالمية"،4 التي حدثت في العصر الحالي, وكان لها تأثير عظيم على حياة الأفرد والمجتمعات والدول.
اشكالها(العولمة):
أدى انهيار الكتلة الشرقية، وانتهاء الحرب الباردة إلى تغير ميزان القوى في العالم. وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم، ما جعل من العولمة ظاهرة عالمية مرتبطة بالسياسات الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، إذ لا يمكن فصل ظاهرة العولمة وأشكالها عن مجريات السياسة الأمريكية.

وأشكال العولمة هي: العولمة الاقتصادية؛ وتعني: إن الاقتصاد المعولم يقع خارج نطاق سيطرة الدولة القومية، عبر تسهيل تدفق رأس المال، ورفع الحدود أمامه. وتعتبر الشركات المتعددة الجنسيات الذراع الطويلة لرأس المال العالمي. ومن أهم مؤسساته المالية البنك الدولي، وصندوق النقد اللذان يسيطران فعلياً على الكثير من دول العالم الثالث.

والعولمة السياسة، وتعني: بث المفاهيم الغربية ونشرها؛ مثل الديمقراطية، والتعددية السياسية، وانتشار المنظمات غير الحكومية -الأهلية، وقيام الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة بحماية حقوق الإنسان وصيانتها، وحماية الأقليات كما يحدث الآن في دارفور. وأيضاً العولمة الثقافية؛ أي: سيطرة القيم والمبادئ الغربية -الأمريكية- على العالم، وتم ذلك من خلال التقدم الهائل في أجهزة الاتصال والإعلام.
أثر العولمة على الثقافة العربية (العولمة الثقافية) :
إن الثقافة هي "مجموع جوانب الفضاء التواصلي البشري؛ أي إدراك البشر لواقعهم والدلالة التي يسندونها له ... بالإضافة إلى أنماط العلاقات التي يقيمونها في ما بينهم. فيدخل في هذا التحديد كل ما يمس الجوانب العقائدية والمعرفية والسلوكية، دون تميز أو حصر".
ولذلك، تعتبر فكرة الثقافة إحدى الركائز الرئيسية لظاهرة العولمة بمعناها الشمولي، إذ تعمل على خلق مكون ثقافي عالمي، وفرضه كنموذج ثقافي، وتعميم معاييره، وقيمه على العالم أجمع. وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية، أصبحت تقود العالم منفردة، فإن العولمة الثقافية تعني: سيطرة الثقافة الأمريكية على العالم، وشرعت في العمل على سيادة القيم الأمريكية لتصبح قيماً عالمية تحل محل القيم القومية.
بمعنى آخر، إن العولمة الثقافية الطاغية والمهيمنة لن تسمح أبداً لأي ثقافة قومية بأن يكون لها دور في صياغة العالم، ما لم تتخلَّ عن الكثير من منجزاتها ومرجعياتها، وأن تتنازل عن الكثير من منابعها، وهذا سيؤدي حتماً إلى صراع بين الحضارات، وليس إلى حوار بين الثقافات.
وكان لانتهاء الحرب الباردة، أن أدى لخلق وضع جديد، ما مهد لظهور أطروحات تعبر عن الفكر الرأسمالي في تعبيراته الأكثر تطرفاً. وتعتبر نظرية صراع الحضارات لـ"صاموئيل هنتنغتون" من النظريات التي أبرزت دور عولمة الثقافة. وحسب نظريته، فإن المصدر الرئيسي للصراعات في العالم لم يعد بسبب العوامل الأيديولوجية أو الاقتصادية، بل بالمعايير الثقافية، فالاختلافات بين البشر ستكون ثقافية، ومصدر النزاعات سيكون مصدراً ثقافياً، لكن ستبقى الدول والأمم هي أقوى اللاعبين في الشؤون الدولية، إذ (لن تكون الصراعات المهمة والملحة والخطيرة بين الطبقات الاجتماعية، أو بين الغني والفقير، أو بين أي جماعات أخرى محددة اقتصادياً، بل ستكون الصراعات بين شعوب تنتمي إلى كيانات ثقافية مختلفة"
ووجهت انتقادات لاذعة لنظرية هنتنغتون، لأنها أخذت الطابع الحتمي للصراع بين الحضارات، وتلك النظرة الاستعلائية والنرجسية التي سيطرت عليها، عندما وضعت الحضارة الغربية فوق الحضارات جميعاً. لذلك، لا يمكن أن تكون غاية النظرية إلا تبرير سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على سياسة العالم، والتحذير بضرورة سيطرة الغرب على العالم، والقضاء على الحضارة الإسلامية.
وتصدى الكثير من المفكرين لهذه النظرية العنصرية من خلال الحديث عن ضرورة الحوار بين الثقافات بدل التصادم والصراع، ومنهم الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي. وكان المستشرق "برنارد لويس" (كتب مطلع التسعينيات مقالة مثيرة تنبأ فيها بحتمية الصراع بين الإسلام والغرب، مؤكداً على أنهما نقيضان لا مجال للحوار بينهما)، ما يعني أن الحضارة الغربية – الولايات المتحدة الأمريكية- ليس أمامها سوى فرض ثقافتها بالقوة لتغير أنماط حياة الشعوب، وجعل قانون الغاب هو من يتحكم في العالم.
وإذا عرفنا أن الحضارة الغربية هي التي تملك القوة بمختلف جوانبها العلمية والاقتصادية والعسكرية، فإن السيطرة دانت لها، وهناك "محاولات منظمة وشمولية للإحاطة والحصار أو الاستيعاب والهضم، وأخيراً التدمير والإفناء"، هذا ما يجري اليوم تحت عناوين مثل: العصرنة، الحداثة، العولمة.
إننا كأمة عربية، نعيش أزمة حضارية رهيبة، وهذا نابع من التحديات الكبرى التي نواجهها، فإما أن ننعزل وننغلق على ذواتنا، وإما يجرفنا تيار العولمة الجارف، فماذا نحن فاعلون؟ فالذي يحصل اليوم هو "في حقيقته الصارخة تدمير مختلف تكوينات المجتمعات غير الغربية، وتهميش واسع النطاق لثقافات وخصوصيات هذه المجتمعات. إنه الغزو الثقافي بعينه".
العولمة والمقاومة :
ليس هناك خلاف بين المفكرين العرب، على أن العولمة سيكون لها تأثيراتها العظيمة على الواقع العربي. لكنهم بالطبع يختلفون حول مدى هذه التأثيرات، ومدى مقاومة الأمة العربية وصمودها بوجهها.
فهناك رأيان: رأي يرفض العولمة، ويطالب بالتمترس حول قيم الثقافة العربية، وإحياء الموروث الثقافي القديم، والانغلاق والانزواء بعيداً عن العصرنة والحداثة، والبقاء بالتالي خارج التاريخ.
ورأي يدعو للقبول بالعولمة على ما فيها من مخاطر الاستلاب الحضاري، وسلاحه الانفتاح وعدم التقوقع على الذات.
مما لا شك فيه، أن الانزواء والتقوقع، موقف جامد وسلبي وغير فاعل، لأنه يعمل على حماية ثقافته وقيمه من الداخل، وهذا الأمر لم يعد ممكناً أو مجدياً، لأن المتصارعين لا يوجد بينهما أدنى تكافؤ أو توازن.
إننا هنا بصدد ظاهرة عالمية، عبرت واخترقت حتى البيوت الآمنة، ويملك أصحابها من القوة والتنظيم والتخطيط والوسائل الإستراتيجية، ما يجعل الانزواء والتقوقع أمراً عقيماً مآله الفشل الذريع.

أما الرأي القائل بالقبول والانفتاح على العصر، فلن يكون نصيبه من الفشل بأقل من أصحاب الرأي الأول. ويقول أصحاب هذا الرأي: "إنه لا فائدة في المقاومة ولا في الالتجاء إلى التراث، بل يجب الانخراط في العولمة من دون حدود، لأنها ظاهرة حضارية عالمية لا يمكن الوقوف ضدها ولا تحقيق التقدم خارجها".
إن الجواب الأفضل والأمثل على ظاهرة العولمة واختراقها الثقافي، يجب أن يكون الفعل من داخل الثقافة العربية، وذلك بتفعيل مقومات الهوية القومية، لصيانة الأمة، بالثقافة "التي تجسد شخصيتها، لتحمي ذاتها وأصالتها ووجودها الحضاري من الغزو الذي يستهدف إحداث التفسخ والخلل" في الكيانية العربية، ومحورها الرئيسي الثقافة. إن تجديد الثقافة "لا يمكن أن يتم إلا من داخلها، بإعادة بنائها وممارسة الحداثة في معطياتها وتاريخها، والتماس وجوه الفهم والتأويل لمسارها، ما يسمح بربط الحاضر بالماضي في اتجاه المستقبل".إن ما نحتاجه حقا هو الولوج إلى ما يعرف بالثورة المعرفية والتكنولوجية؛ أي دخول عصر العلم والتقانة، لا كمستهلكين وحسب، بل كأعضاء مساهمين وفاعلين. إن امتلاكنا ناصية العلم يجعلنا مؤهلين وقادرين للانخراط في عالم المعرفة والعلم، الذي فيه النفوذ والسلطة والثروة "مقومات لا تقود فقط إلى أصول مادية اقتصادية أو عسكرية، بل إلى المعرفة ذاتها. إنه التحول الحضاري الهائل الذي يشكل النقلة النوعية المميزة لـ "مناخ العصر" المعولم".
وبعد ذلك وحسب، نستطيع الانفتاح على الثقافة الإنسانية والتفاعل الإيجابي معها، على أساس الإيمان بقدرتنا على الأخذ منها ورفدها كذلك، ومع ما ينتجه تفاعل الثقافات، من الخروج من حالة الانغلاق والانزواء، ومقاومة الاستلاب والاغتراب والاستتباع الحضاري من جهة أخرى.
خصائص كل من العولمة والهوية الثقافية :
تسعى العولمة إلى خلق نظام عالمي نموذجي وموحد لايقبل التمايزات ولا الخصوصيات.مذهب واحد ونهائي على الصعيد العالمي.بينما تتميز الهوية الثقافية بخصائص التفرد والتعدد والاختلاف .فهناك ثلاث نماذج من الهويات الثقافية:هوية فردية داخل القبيلة أو الطائفة أو الحزب...تدافع عن الاستقلالية والتميز الفردي .ثم هناك هوية جماعية تدافع عن الخصوصيات المكونة للجماعة وان اختلفت عن باقي الجماعات الأخرى.ثم هناك الهوية الثقافية القومية أو الوطنية تفتخر بعناصرها الحضارية والثقافية المميزة لها عن باقي الأمم والقوميات الأخرى.
العلاقة بين العولمة والهوية الثقافية.
· تسعى العولمة نحو الوحدة والنمطية، بينما تدافع الهوية عن التنوع والتعدد.
· تهدف العولمة إلى القضاء على الحدود والخصوصيات المختلفة بينما تسعى الهوية الى الاعتراف بعالم الاختلافات وترفض الذوبان
· الهوية هي انتقال من العام إلى الخاص ومن الشامل إلى المحدود بينما تبحث العولمة عن العام والشامل واللامحدود واللا تجانس .
انها علاقة صراعية تصادمية بين العولمة والهوية الثقافية.فالعولمة تشبه القناص والهوية تشبه الطريدة .ملاحقة ومطاردة.فهل ستنجو الطريدة وتحافظ على بقائها ؟؟؟الواقع وانتظارات المستقبل ستجيب.ولكن ماهي فرص نجاة الهوية من العولمة في ظل سيادة وسائل وأدوات تحاول سحق الهويات والخصوصيات؟؟؟؟؟
وسائل وأدوات انتشار العولمة في المجال الثقافي:
· وسائل الاتصال والإعلام: تتجلى في القنوات التلفزيونية والفضائية وشبكة الانترنيت والجرائد والصحف والمجلات والأقراص المدمجة و الهاتف...
· الوسائل الفنية:الموسيقى والمسرح والسينما والرسوم المتحركة...
· الأدوات اللغوية: تتمثل في استعمال اللغة الانجليزية والفرنسية في التواصل والإعلام والتربية والتعليم والعمل والأماكن العمومية والخاصة.فاللغة حاملة للثقافة والحضارة الانجليزية والفرنسية .
جوانب تأثير العولمة على ثقافات المجتمعات الأخرى:
· التأثير اللغوي: استعمال اللغة الفرنسية والانجليزية في الإدارة والاقتصاد والاتصال وفي المقررات الدراسية وفي التواصل اليومي بين الفئات الاجتماعية في البيت والشارع ....
· التأثير الخلقي: يتجلى في انتشار سلوكات العنف والجنس في وسائل الإعلام والسينما والانترنيت بشكل اباحي يتناقض مع الحشمة والعفة التي لا تزال تتشبث بها المجتمعات المحافظة.
· التأثير القيمي: تتزايد محاولات نشر قيم واحدة على الصعيد العالمي في الموسيقى والملبس والمأكل- الهامبورغر والماكدولندز-والعلاقات الأسرية المتجهة نحو طغيان الفردانية ...وطغيان ثقافة الاستهلاك الرأسمالي الذي يتواصل في تجدده وتنوعه وإغراءاته.
العولمة والهوية الثقافية:
مقدمة :
تفرض (العولمة) نفسها على الحياة المعاصرة، على العديد من المستويات، سياسياً واقتصادياً، فكرياً وعلمياً، ثقافياً وإعلامياً، تربوياً وتعليمياً. وهي بذلك من الموضوعات التي تحتاج معالجتها إلى قدر كبير من الفهم لعمقها وجوهرها، والإدراك لبُعدها وغايتها، والوقوف على ما تنطوي عليه السياسات التي تتحكّم فيها وتقودها، وتتحمّس لها وتدعو إليها، وتمهد للتمكين لها، بشتى الطرق وبمختلف الوسائل.ولقد أجمعت الدراسات الحديثة لنظام العولمة الذي أصبح اليوم نظاماً يشكّل ظاهرة كونية، إن صحَّ التعبير، على اعتبار الخطر الأكبر الذي تنطوي عليه العولمة، هو محو الهويات الثقافية للشعوب، وطمس الخصوصيات الحضارية للأمم.
توطئـة:
لكل عصرٍ مفاهيمه ومصطلحاته ومفرداته، ولكل مرحلةٍ من مراحل التاريخ البشري، اهتماماتها وقضاياهاوانشغالاتها.
ومن المفاهيم الجديدة التي تُطرح في هذا العصر، وتحديداً منذ العقد الأخير من القرن الماضي، مفهومُ (العولمة) الذي اقترن ظهورُه بانتهاء الحرب الباردة وابتداء ما يُصطلح عليه بـ (النظام العالمي الجديد) الذي هو في حقيقة أمره وطبيعة أهدافه، نظامٌ صاغته قُوى الهيمنة والسيطرة لإحداث تنميط سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وإعلامي واحد وفرضه على المجتمعات الإنسانية كافة، وإلزام الحكومات بالتقيّد به وتطبيقه.
ولقد خَالَطَ مفهومَ العولمة هذا كثيرٌ من الأوهام حتى صار من المفاهيم المعقدة، المبهمة أحياناً، المثيرة للجدل دائماً، المرتبطة في الأذهان بالسياسة التسلّطية التي تمارسها الدولةُ التي انفردت بزعامة العالم في هذه المرحلة، بعد أن خَلاَ لها المجالُ بانهيار القطب الموازي لها، وسقوط منظومته المذهبية والسياسية والفكرية والثقافية.
ولذلك فإن للعولمة وجوهاً متعددة؛ فهي عولمة سياسية، وعولمة اقتصادية، وعولمة ثقافية، وعولمة إعلامية، وعولمة علمية وتكنولوجية. والخطير في الأمر كلِّه، أن لا وجه من هذه الوجوه يستقل بنفسه؛ فعلى سبيل المثال، لا عولمة ثقافية بدون عولمة سياسية واقتصادية تمهد لها السبيل وتفرضها فرضاً بالترهيب والإجبار تارة، وبالترغيب والتمويه، تارة أخرى.
ومن هنا، كان لابد أن نفهم (العولمة) باعتبارها منظومةً من المبادئ السياسية والاقتصادية، ومن المفاهيم الاجتماعية والثقافية، ومن الأنظمة الإعلامية والمعلوماتية، ومن أنماط السلوك ومناهج الحياة، يُراد بها إكراه العالم كلِّه على الاندماج فيها، وتبنّيها، والعمل بها، والعيش في إطارها.
وذلك هو العمق الفكريّ والثقافيّ والإيديولوجيّ للنظام العالمي الجديد.
مجال العولمة الثقافية :
للعولمة، كما أسلفنا القول، منظومةٌ متكاملةٌ يرتبط فيها الجانبُ السياسيُّ بالجانب الاِقتصاديّ، والجانبان معاً يَتَكَامَلاَنِ مع الجانب الاِجتماعي والثقافي، ولا يكاد يستقل جانبٌ بذاته. وعلى هذا الأساس، فإن العولمة الثقافية هي ظاهرةٌ مدعومةٌ دعماً محكماً وكاملاً، بالنفوذ السياسي والاِقتصادي الذي يمارسه الطرف الأقوى في الساحة الدولية. وللوقوف على الصورة الواضحة للأجواء التي تمارس العولمة الثقافية في ظلها نفوذَها على الشعوب والأمم، نسوق فيما يلي، باختصارٍ وتركيز، طائفة من المعلومات التي تُنشر وتتداولها الصحافة العالمية المتخصصة والمواكبة لثورة المعلوماتية التي هي الأساس الراسخ للعولمة الثقافية، والتي تشكل القوة الضاربة للنظام العالمي الجديد.
إن تكنولوجيا المعرفة، هي قوة الدفع للعولمة الثقافية. وفي ظل النقلة الجديدة والمتطورة جداً لتكنولوجيا المعرفة، يبدو العالم منقسماً إلى ثلاثة أقسام :


ــ إن 15 بالمائة من سكان العالم يوفّرون تقريباً كلَّ الاِبتكارات التكنولوجية الحديثة.
ــ إن 50 بالمائة من سكان العالم قادرون على استيعاب هذه التكنولوجيا استهلاكاً أو إنتاجاً.
ــ إن بقية سكان العالم، 35 بالمائة، يعيشون في حالة انقطاعٍ وعزلةٍ عن هذه التكنولوجيا.

وإذا كان هذا الواقع لعالم اليوم يعني شيئاً، فإنه يعني أن مقولة (القرية العالمية) التي أطلقها في عام 1962 (مارشال ماك لولهن) لم تصح. ولا يبدو أنها سوف تصح في المستقبل المنظور، على الرغم من كثرة استخداماتها في الأدبيات الإعلامية والثقافية الحديثة
وهذا ما يشير إلى أن ظاهرة العولمة الثقافية تبدو محدودة التأثير، على الرغم من عنفوانها وعنفها وشراستها وقوة النظام العالمي الذي يمهد لها السبيل ويفتح أمامها الآفاق.
ولكن على الرغم من ذلك كلِّه، فإن الآثار التي تُحدثها العولمةُ في الشعوب التي تكتسحها، بالغة الضرر، نظراً إلى سوء الأوضاع الاِقتصادية والاجتماعية في النصف الأكبر من الكرة الأرضية، ويندرج في هذا الإطار، العالمُ الإسلاميُّ الذي لا سبيل إلى تجاهل المعاناة الشديدة التي يعانيها معظم بلدانه على الصعيدين الاِقتصادي والاِجتماعي، بصورة خاصة.
ــ العالم الإسلامي في مواجهة العولمة الثقافية :
إذا كان العالم الإسلامي يوجد تحت تأثير ظاهرة العولمة الثقافية، بالنظر إلى أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والعلمية والإعلامية التي هي دون ما نطمح إليه، فكيف يتسنى له أن يواجه مخاطر هذه العولمة ويقاوم تأثيراتها ويتغلب على ضغوطها؟.
إن الواقع الذي تعيشه بلدان العالم الإسلامي يوفّر الفرص المواتية أمام تغلغل التأثيرات السلبية للعولمة الثقافية، لأن مقوّمات المناعة ضد سلبيات العولمة، ليست بالدرجة الكافية التي تقي الجسمَ الإسلاميَّ من الآفات المهلكة التي تتسبَّب فيها هذه الظاهرة العالمية المكتسحة للمواقع والمحطّمة للحواجز.
إن الشعوب الضعيفة اقتصادياً والمتخلفة تنمويّاً، لا تملك أن تقاوم الضغوط الثقافية أو تصمد أمام الإغراءات القوية لتحافظ على نصاعة هوياتها وطهارة خصوصياتها. ولذلك كان خط الدفاع الأول على جبهة مقاومة آثار العولمة الثقافية، هو النهوض بالمجتمعات الإسلامية من النواحي كافة، انطلاقاً من الدعم القوي للتنمية الاِقتصادية والاِجتماعية، في موازاةٍ مع العمل من أجل تقوية الاِستقرار وترسيخ قواعده على جميع المستويات، وذلك من خلال القيام بالإصلاحات الضرورية في المجالات ذات الصلة الوثيقة بحياة المواطنين، بحيث ينتقل العالم الإسلامي من مرحلة الضعف والتخلف، إلى مرحلة القوة والتقدم، في إطار القيم الإسلامية وبروح الأخوة والسماحة والتعاون على البر والتقوى طبقاً للتوجيه القرآني الرشيد.
وكما أن ظاهرة العولمة الثقافية تتركّب من منظومة متكاملة من النظم السياسية والاِقتصادية والإعلامية والتكنولوجية، فكذلك هي المواجهةُ المطلوبة لآثار هذه العولمة، لابد وأن تكون قائمةً على أسس قوية، ومستندة إلى مبادئ سليمة. ومن هنا تأتي الأهمية القصوى للعمل الإسلامي المشترك، على شتى الأصعدة، وفي جميع القنوات، من أجل تعزيز التضامن الإسلامي حتى يكون القاعدة المتينة للتعاون بين المجموعة الإسلامية في كلّ الميادين، وفي سبيل تطوير التنمية الشاملة في العالم الإسلامي، للرفع من مستوى الحياة بمحاربة الظلم والفقر والجهل والمرض، وبإشاعة الوعي الاِجتماعي والثقافي الراقي، من خلال الاستثمار العلمي للموارد الاِقتصادية والطبيعية والبشرية التي تتوافر لدى الشعوب الإسلامية، والتوظيف المخطط والمدروس للإمكانات والقدرات، والاِستغلال الجيّد للفرص المتاحة وللآفاق المفتوحة أمام العالم الإسلامي لتحقيق نقلة حضارية حقيقية.
في هذه الحالة، يمكن أن نمتلك الشروط الضرورية لتقوية جهاز المناعة الثقافية ولتعزيز قدرة الإنسان المسلم على الصمود في وجه العولمة الثقافية. وبدون امتلاك هذه الشروط، يستحيل أن نحمي الهوية الثقافية الحضارية الإسلامية من مخاطر العولمة الثقافية.
إنَّ تقوية الكيان الإسلامي اقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً وثقافياً وتربوياً، هي الوسيلة الأجدى والأنفع والأكثر تأثيراً للتغلٌب على الآثار السلبية للعولمة الثقافية، وللاستفادة أيضاً، من آثارها الإيجابية في الوقت نفسه، من خلال التكيّف المنضبط مع المناخ الثقافي والإعلامي الذي تشكله تيارات العولمة الثقافية، والتعامل الواعي مع مستجداتها ومتغيراتها وتأثيراتها. وبدون هذه الوسيلة، فسوف نضيع في مهبّ رياح العولمة، وتكتسحنا تيّاراتها العاصفة الجارفة.
ملامح صورة المستقبل الثقافي :
ولقد أحدث هذا التطوّر المهول في عالم الاِتصالات والمعلوميات، تحوّلاتٍ عميقةً في الثقافة والإعلام والاتصال، وفي مجالات النشاط الفكري والذهني الإنساني المتنوعة. وقياساً على الحجم الذي بلغته هذه التحوّلات في الوقت الراهن، وربطاً بينها وبين المتغيّرات الكثيرة التي تعرفها الإنسانية اليوم في ميادين الاِقتصاد والتجارة والصناعة والزراعة والطب والهندسة الوراثية والفضاء، نستطيع أن نبني توقعاتنا لما ستنتهي إليه ظاهرة العولمة الثقافية في المستقبل على المدَيَيْن القريب والمتوسط، على حساباتٍ لا تبعد كثيراً عن الصحة.
إن الأمر المؤكد أن العولمة الثقافية ستبلغ درجةً قصوى من التطوّر يصل بها درجةً من التغلغل والنفوذ غير معهودة. وهذا ما يتطلب من الحكومات والشعوب، الاِستعداد، على جميع المستويات، للتعامل مع الحالة المرتقبة.ولكن الأمر المؤكد أيضاً، واستناداً إلى الحسابات نفسها، أن ظاهرة العولمة الثقافية، لابد وأن تتراجع أمام مقاومة الشعوب التي تملك رصيداً حضارياً متميّزاً وإرادة لمواجهة السياسة ذات النزعة الاِستبدادية والمدفوعة بإرادة الهيمنة والإصرار على إكراه الشعوب وعلى تبنّي سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية وتعليمية وإعلامية تَتَعَارَضُ مع مصالحها، وتُصَادِمُ خصوصياتها الثقافية والحضارية.
وفي هذا المقام، نشير إلى الأداة الفعالة لتحقيق النهضة الثقافية التي يمتلكها العالم الإسلاميّ في الوقت الحاضر، وهي (الاِستراتجية الثقافية للعالم الإسلامي)، التي اعتمدها مؤتمر القمة الإسلامي السادس المنعقد بداكار في عام 1991، والتي تشكّل الإطار الملائم والمتكامل للعمل الثقافي العام في البلدان الإسلامية. وهي إستراتيجية وَضَعَ آليات تنفيذها، المؤتمر الإسلاميّ الثاني لوزراء الثقافة الذي عقد في الرباط بالمملكة المغربية في عام 1998، وهي بذلك جاهزةٌ للتنفيذ على المستويين، الوطني في إطار السياسات الثقافية لكل دولة عضو، والإسلامي في نطاق العمل الإسلامي المشترك ومن منطلق التضامن الإسلامي.
ولا يعني هذا أن المستقبل الثقافي للعالم الإسلامي، في عصر العولمة الثقافية، سيكون مستجيباً لطموح الأمة الإسلامية بمجرد تنفيذ الاستراتيجية الثقافية، ولكن الأمر يتطلب، في المقام الأول، بذل المزيد من الجهود المتضافرة لإحداث التغييرات المطلوبة من حيث التفكير والتخطيط والتنفيذ والمتابعة. ويقتضي ذلك أن يغيّر العالم الإسلامي وسائل العمل الثقافي وأدواته وأهدافه أيضاً، وأن يعمل على تطوير مناهج التربية والتعليم وتجديد الدراسات الإنسانية على وجه العموم، وأن يتجه نحو الأخذ بالأساليب العلمية في العمل الثقافي والإعلامي، حتى تتوافر له الوسائل الحديثة الكفيلة بالنهوض الثقافي العام. وبذلك يستطيع العالم الإسلامي أن يصمد صموداً ثابتاً أمام ظاهرة العولمة الثقافية.
خاتمـة :
إن العالم الإسلامي لا يملك أن يمنع العولمة الثقافية من الانتشار، لأنها ظاهرة واقعية تفرض نفسها بحكم قوّة النفوذ السياسي والضغط الاِقتصادي والتغلغل الإعلامي والمعلوماتي التي يمارسها النظام العالمي الجديد. ولكن العالم الإسلامي يستطيع أن يتحكم في الآثار السلبية لهذه العولمة، إذا بذل جهوداً مضاعفة للخروج من مرحلة التخلف إلى مرحلة التقدم في المجالات كلِّها، وليس فحسب في مجال واحد، للترابط المتين بين عناصر التنمية الشاملة ومكوّناتها.
إنَّ التعامل مع ظاهرة العولمة الثقافية لابد وأن يقوم على أساس القوة الاِقتصادية والاستقرار السياسي والسلم الاِجتماعي والتقدم في مجالات الحياة كلِّها، وهذا ما يتطلّب، في المقام الأول إصلاح الأوضاع في العالم الإسلامي في هذه المجالات كافة، وترسيخ قواعد العمل الإسلامي المشترك، على مستوياته المتعدّدة، من أجل الدفع بالتعاون بين المجموعة الإسلامية نحو آفاق أرحب تطلعاً إلى مستقبل أكثر إشراقاً.
والقضية في عمقها مرتبطةٌ بمدى قوة الإرادة الإسلامية وتماسك جبهة التضامن الإسلامي وتضافر جهود المسلمين كافة، في سبيل بناء النهضة الحضارية للعالم الإسلامي، بالعلم، وبالفهم، وبالوعي، وقبل ذلك كلِّه، بالإيمان واليقين والتضامن والأخوة الإسلامية

اما في هدا الحال الذي يحياه العالم العربي اليوم،والدي يهيئ الفرص السانحة أمام تغلغل التأثيرات غير الإيجابية للعولمة الثقافية، لأن مقومات المناعة في الثقافة العربية، ليست كافية لتقف في وجه العولمة القادرة على اكتساح المواقع وتحطيم أقوى الحصون.
ولدلك لم يختلف المفكرون العرب على أن ظاهرة العولمة تشكل مرحلة جديدة في التاريخ الإنساني. فالبعض يراها مرحلة طبيعية من مراحل التطور الرأسمالي، وآخرون يرونها ظاهرة لم تستكمل بعد دورتها، لذا لم تتضح معالمها بعد، لكن بالتأكيد إنها ظاهرة، القوة فيها هي اللاعب الرئيسي.
إن السرعة اللامتناهية لظاهرة العولمة، لم تترك لأحد الفرصة أن يقف ويفكر طويلاً، لأنها ستتجاوزه، وبالتالي فإن مفكري العالم العربي عليهم الانكباب على دراسة الظاهرة، والخروج بأفضل الطرق والسبل للتعامل معها، منطلقين من الظروف الذاتية والخصوصية الثقافية، وذلك من أجل خلق رؤية عربية قادرة على الوقوف أمام العولمة، وتضع نصب أعينها المصالح العربية، التي لا يمكن أن تكون ضد ظاهرة عالمية، إذا كانت تحكمها القيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية، ولكن ليس العولمة القائمة على السيطرة والهضم والاستتباع الحضاري البغيض.

ما بالاصفر ارادك الكاتب ان تعير له اهتماما جيدا.
اما الدي بالبرتقالي فهي افكار جزئية ان كنت لا تحب قراءة الفقرات كاملة

واخيرا : ارجوا ان تقوم بمل رد على الموضوع تبين فيه اهم ما استفدته ولكم ولي الشكر الجزيل...والسلام عليكم

تعليقات

27 تعليقًا
إرسال تعليق
  1. نشكركم جزيل الشكر على هذه المعلومات القيمة والمفيدة واسال الله ان العظيم بعرشه الكريم ان ينور طريقكم بنوره ويرزقكم الجنة والسلام عليكم

    ردحذف
  2. امين يارب العالمين واتمنى ان يستفيد الزوار الكرام من مثل هده المواضيع

    ردحذف
  3. موضوع هام ويستحق القراءة والتمعن لما يحتويه من أفكار تهمنا يجب أن نأخذها بعين الإعتبار من أجل أن لا تضيع هويتنا وحضارتنا التي نعتز ونفتخر بها دائما والتي كانت في يوم من الأيام نبراساً للكثير من العلوم التي يستخدمها العالم اليوم .

    ردحذف
  4. نعم فقد كنا والى زمن قريب نحمل شعلة العلم بايدينا ,ودلك لاننا كنا نعتز بهويتنا وتقافتنا

    ردحذف
  5. فاطمة الزهراء18 ديسمبر 2012 في 1:01 م

    شكرا على المعلومات الاكثر من رائعة و جزاكم الله خيرا

    ردحذف
  6. merci beaucoup pour ces informations

    ردحذف
  7. شكرا على المعلومات

    ردحذف
  8. هههههه راه تفاهات و شكرا

    ردحذف
  9. حقا نجح الغربين في امتصاص هويتنا عن طريق العولمة

    ردحذف
  10. غير معرف11 ديسمبر، 2013 2:54 م

    حقا نجح الغربين في امتصاص هويتنا عن طريق العولمة العالم الإسلامي يوجد تحت تأثير ظاهرة العولمة الثقافية

    ردحذف
  11. مفهمت واااااالواااااااا

    ردحذف
  12. اشكركم على هذه المعلومات

    ردحذف
  13. هدا الملف جد رائع شكراااااااااا الله يحفظك

    ردحذف
  14. CHOKRAN BZAAAAAAAAF 3LA HAD LMA3LOMAT LMOFIDA WANA 3ANDI 3ARD NHAR SEBT WACH GHADI NEKTEB HAD CHI KOLO FLMILEF OLA NDIR TALKHIS BACH MAN T3AMA9CH BZAF JAWBNI 3AFAK

    ردحذف
  15. MALEK T3ATLTI 3LYA

    ردحذف
  16. mawdo3e fi mahalihi achkoro kol mane sahama fi injazihi wa chokrane

    ردحذف
  17. شكرا على المعلومات الاكثر من رائعة و جزاكم الله خيرا

    ردحذف
  18. شكرا جزيلا جزاك الله خيرا

    ردحذف
  19. شكرا جزيلا

    ردحذف
  20. chokran jayilan 3aala hada amawdo3

    ردحذف
  21. شكرا جزيلا لكم على هذا الموقع المفيد

    ردحذف
  22. مفيد جدا

    ردحذف
  23. أنا جد معجب بهاذا الموضوع ;)

    ردحذف

إرسال تعليق

ما رأيك بالموضوع الذي قرأته للتو

التنقل السريع